الجرح والتعديل . . . فتنة في ثوب العلم،، أ. قتيبة حسين علي
يبدو أننا فعلا في الزمن الاخير ، حيث تحولت منصات التواصل الاجتماعي إلى ساحات معارك حامية الوطيس
يبدو أننا فعلا في الزمن الاخير ، حيث تحولت منصات التواصل الاجتماعي إلى ساحات معارك حامية الوطيس ، لا تسمع فيها إلا صليل السيوف التي تشحذ على أنصال الجرح والتعديل ، وكأن العلم الشرعي بأسره قد اختزل في فن التفنن في تجريح العلماء والتبديع بين المسلمين ، وكأن العلم الشرعي قد بات محدودا في قواميسهم بنزع الثقة من هذا العالم والتشكيك في نية ذاك الشيخ !! ، ما أروعها من جلسات علمية ، يتراشقون فيها بالكلمات الحادة كالسيوف ، ويفتحون فيها أبواب الفتنة على مصاريعها ،ناشرين بين الناس الشحناء والبغضاء ، وكأنهم يفتون بضرورة الفرقة بين المسلمين ، هؤلاء الفرسان الرقميون الذين اعتلوا منصات اللايفات ، يبدو أنهم قد أسقطوا من حساباتهم كل ما هو نافذ إلى رحاب الفقه وأصوله ، وعلم الحديث وتفسيره ، وعلوم القران والتفسير ، ليقتصر علمهم العتيد على هواية جديدة ألا وهي اصطياد الزلات وإطلاق الأحكام كما تطلق السهام في غابة مليئة بالصيد السهل !!! .
أين ذهب العلم الشرعي بمساحاته الواسعة؟؟ ، أين الفقه الذي يغوص في تفاصيل العبادة والحياة ويجيب عن أسئلة المعاملات؟؟ ، أين أصول الفقه التي هي أساس كل حكم شرعي؟؟، أين الحديث الذي منه يستقى الكثير؟؟ ، وأين التفسير الذي يقودنا إلى فهم كلام الله عز وجل؟؟ ، لا مكان لهذا في منصات أبطال الجرح والتعديل الجدد ، فهم ببساطة وجدوا طريقا مختصرا للشهرة والظهور ، طريق الطعن في فلان وعلان وتبديع هذا وتضليل ذاك ، ليصبح كل واحد منهم بطلا شعبيا في نظر جمهوره الضيق ، الذي يشترك معه في نفس الميل القاتل للجدل والتنازع .
الفقه ، العقيدة ، التفسير ، الحديث ، هذه علوم قديمة لا تثير حماسة المتابعين ولا تكسب تلك اللايفات المفتوحة أي مشاهدات إضافية ، الأهم بنظرهم هو ذاك الهجوم اللاذع على من يخالفهم في الرأي ، والتلذذ برؤية الأخلاق والوحدة تحرق على مذبح الجدل العقيم ، محولين العلم الشرعي إلى فن التلاعب بالمفردات لإقصاء الآخرين ، بدلا.من أن يكون منبعا للخير والفائدة و الدفع بالتي هي أحسن.
أولئك هم دعاة اليوم ، الذين يستنزفون طاقة أتباعهم في مساحات السخط والكراهية ، محولين الساحات العلمية إلى ساحات حرب كلامية ، لا رابح فيها إلا الشيطان ، أما المسلمون فقد باتوا بين رحى الجدل يسحقهم الأذى ويمزقهم التفرق ، والأغرب من ذلك كله ، أنهم يتشدقون صباح مساء بالإخلاص لله ، بينما يتجاهلون الفائدة الحقيقية التي ينبغي أن يقدمها العلم الشرعي للناس ، لقد أصبح الهدف بالنسبة لهم ليس إصلاح المجتمع أو نشر العلم النافع ، بل هو تضخيم الأنا ، واستعراض عضلاتهم “العلمية” أمام جمهور متعطش للفضائح والجدالات العقيمة .
هل نسي هؤلاء أن العلم الحقيقي يزرع الرحمة والوئام بين الناس؟؟ ، أم أن بريق الشهرة السريع قد أعمى بصائرهم، فاستبدلوا ضياء العلم بنار الفتنة؟؟ ، في نهاية المطاف نجد أنفسنا أمام مشهد هزلي ، دعاة يتلون علينا كلمات الحق بلسان مغلف بالباطل ، يصفق لهم جمهور غارق في ظلام الجهل ، بينما ينسحب العلم الشرعي الحقيقي من المشهد بهدوء ، تاركا الساحة لأبطال الجرح والتعديل ليحتفلوا بانتصاراتهم الوهمية !! ، هل هذا هو العلم الذي أوصى به الرسول صلى الله عليه وسلم ؟؟ ، أم أن هؤلاء في غفلة من أمرهم ، قد استبدلوا العلم الحقيقي بعلم زائف ، لا يزيدهم إلا بعدا عن الرحمة والهدى؟؟ ، في زمن العلم الزائف حيث بات الطعن في العلماء رياضة شعبية ، يبقى السؤال : أين الضمير وأين الإخلاص لله ؟؟؟ .
الهيئة العامة للثقافة والفنون والآثار،،،، أ. قتيبة حسين علي