المدرسة الكلاسیكیة في الاقتصاد السياسي
الفزیوقراطیون أول من وضع الأساس لقیام النظریة الإقتصادیة الكلاسيكية
یعتبر الفزیوقراطیون أول من وضع الأساس لقیام النظریة الإقتصادیة الكلاسيكية وقد برز عدد لا بأس به
من المفكرین الإقصادیین في نهایة القرن 18 و بدایة القرن 19 و اللذین قدموا ما یعرف بالنظریة التقلیدیة
في علم الإقتصاد .
و مما یمیز أفكار هذه المدرسة أنها حاولت تقدیم أفكار إقتصادیة منسجمة و متناسقة على عكس المدارس السابقة لهذه الفترة و إذا تطرقنا إلى أهم الأفكار التي طرحتها هذه المدرسة نجد أنه لابد من
دراسة أهم الأفكار التي جاء بها روادها.
ولعل من أهم مفكري المدرسة الكلاسیكیة :
سمیث أدم .
آدم سمیث فیلسوف و إقتصادي أسكتلندي مشهور بكتابه الذي یعرفه أغلب الباحثین الإقتصادیین
المعنون بـ “بحث في طبیعیة و أسباب ثورة الأمم” الذي ألفه سنة 1776 ، عمل سميث أستاذاً للمنطق و
الإقتصاد السیاسي لجامعة جلاسكو
مما سهل له فرصة مناقشة مواضيع الإقتصاد السياسي عدة مرات مع الفیلسوف “دافیدهیوم.”
كما سنحت له الفرصة بلقاء زعیم المدرسة الفزیوقراطیة “قزونسوا كینیة”، الذي توافق معه في
أغلب طروحاته عدى إعتبار الصناعة من الطبقة العقیمة بمعنى أنها لا تخلق ثروة.
أما رواد هذه المدرسة ركزوا على المظهر الكمي للظواهر الإقتصادیة مستخدمین طریقة التجرد ذات الطبیعة الإستقرائیة.. الاستنتاجیة.
یقوم رواد المدرسة الكلاسیكیة بدراسة الظواهر الإقتصادیة في إطار تحلیلي للجمیع حیث أن المجتمع
مسخر لوظائفها الإقتصادیة .
ً یقسم الكلاسیكیون المجتمع إلى ثلاثة طبقات هي :
– الطبقة الرأسمالیة المالكة لوسائل الإنتاج.
– الطبقة الأرستقراطیة التي تملك الأراضي الزراعیة.
– الطبقة العاملة و التي تبیع قوة عملها.
یرتكز النشاط الإقتصادي على المبادلة في ظل مجتمع تسود فیه المنافسة التامة و التي بدورها تحقق
التوازن.
نظریات المدرسة الكلاسیكیة :
تعددت نظریات المدرسة الكلاسیكیة بتعدد مفكریها، و قد توصل الكلاسیكیون إلى بناء مجموعة
من النظریات تمثل المبادئ الأساسیة لعلم الإقتصاد .
نظریة القیمة
اعتبر الكلاسیكیون أن العمل هو المقیاس الحقیقي الذي تقاس به قیمة السلعة على العكس تماماً
بما أقر به التجاریون و اعتبار أن مصدر الثروة هو أسلاك المعدن النفیس و عكس الفزیوقراطیون الذین اعتبروا أن مصدر القیمة هو الأرض و ما تنتجه من سلع، و لقد رأى أ”دم سمیث ” أن خلق الثروة
الحقیقیة لا یكون على هیئة سبائك من الذهب و الفضة و إنما یحدث بتحول الناتج الخام للأرض
وجهود المجتمع إلى مقتنیات ملموسة في منازل الطبقة العاملة و هو ما كان یعد مؤشراً حقیقیاً لقیاس
الثراء انسبي في البلاد .
و قد دعى “آدم سمیث” إلى ضرورة تقسیم العمل كوسیلة للزیادة من الإنتاجیة فی العمل، و بهذا فقد
تحددت قیمة السلعة بالعمل الحقیقي لإنتاجها.
و قد أكد “دافیدریكاردو” أن العوامل التي تحدد قیمة الناتج یجب أن تكون ذو منفعة أي فائده، فالناتج العام يعمل على إشباع حاجة الألاف ورغم ذلك فإنه یفتقر إلى قیمة قابلة للتبادل، إن لم یكن نافع بمعنى أن السلع الغیر قابلة للتبادل لا قیمة لها.
كما أكد أن السلعة القابلة للتبادل تنبع قیمتها إما من الندرة و إما من كمیة العمل اللازمة للحصول علیها، و هنا یقتبس “دافید ریكاردو عبارة من آدم سمیث” یقول فیها : من الطبیعي أن ما نحتاج في العادة إلى إنتاجه یومین من العمل أو ساعتین یجب أن یساوي ضعف ما یحتاج إنتاجه عادة إلى یوم واحد أو ساعة واحدة من العمل
و بالتالي فإن القیمة التبادلیة لأیة سلعة تتحدد بكمیة العمل المبذول
لإنتاجها.
و لقد میز كل من “آدم سمیث وادافید ریكاردو” بین القیمة الإستعمالیة للسلعة و القیمة التجادلیة لها.
فبینما بینوا أن القیمة الإستعمالیة هي المنفعة التي یتحصل علیها الفرد من جراء استعمال أو استهلاك هذه السلعة أما القیمة التبادلیة فهي مدى قدرة تلك السلعة على التبادل بین السلع الأخرى و أضافا أن القیمة الاستعمالیة شرط أساسي لوجود القیمة التبادلیة فالسلع التي لیست لها منفعة لدى الأفراد یكون معدل تبادلها ضعیف أو معدوم .
وكما فرق الكلاسكیون بین السعر الإسمي و الحقیقي و الطبیعي. فالسعر الإسمي لأیة سلعة ماهو إلا التعبیر عن قیمة السلعة بوحدات النقود المتداولة في السوق، أما السعر الحقیقي لأیة سلعة فهو كمیة العمل التي تبادل به السلعة، في حین أن السعر الطبیعي هو الذي یسمح بمكافأة العامل بالأجر و بالربح و مالك الأرض بالریع.
بمعنى أن العائدات التي یحصل علیها مالكوا عناصر الإنتاج
من أرض و عمل و رأس المال، متوافقة مع تكالیفهم بالضبط.
و لإشارة فإن “آدم سمیث” الذي أقر بأن العمل كأساس لتحدید القیمة
فإنه لم یلبث أن تبین أن هذه النظریة لا تصلح إلا للمجتمعات البدائیة و إنه یعد تراكم رأس المال .
وهنا یختلف الوضع فقیمة السلعة لا تتحدد بما بذل فیها من عمل فقط وإنما یجب أن یؤخذ في الإعتبار رأس المال المستخدم فیها، و بذلك یدخل الربح إلى جانب الأجر في تحدید
قیمة السلعة و هكذا أدخل سمیث الربح في مكونات القیمة .
نظریة الإنتاج :
الإنتاج بالنسبة للكلاسیك هو خلق و زیادة المنافع، و لتحقق عملیة الإنتاج یتطلب أن تجتمع ثلاثة عوامل أساسیة هي الأرض ورأس ألمال و العمل وفي الإنتاج و تجعل العمال و أرباب العمل مساهمون مع أصحاب الأرض یعتمدون على بعضهم البعض و لهذا فإن الإنتاج الحدیث نجد أن العمال یؤدون العمل و تجهیز الأدوات و الآلات التي یحتاجها هؤلاء الأشخاص في عملهم .
وقد أكد “آدم سمیث” أن تقسیم العمل یزید من الإنتاجیة بحیث أن
المنتاجات تزداد على إختلافها جراء عملیة تقسیم العمل الذي یمنح المجتمعات المدبرة تلك الثروة العامة التي تنتشر لتبلغ اعلى الناس مرتبة كما تؤدي إلى زیادة مهارة الید العاملة بحیث تصبح مؤهلة إلى الاستثمار في الوقت بحیث یتخصص كل عامل في الجزء المخصص له و من ثم یوفر في الوقت علیه الانتقال من عمل إلى آخر.
إن الإنتاج یزداد و یستمر إلى أن یبلغ الحد المطلوب وخاصة في القطاع
الزراعي و هذا ما یطلق علیه بقانون الاقتصاد تناقص الغلة.
نظریة التوزیع :
نظریة التوزیع عند “آدم سمیث”
توزع الثورة المكتسبة من العمل بین العمال و أصحاب الأرض و رأس المال و الحكومة، فلقد ربط بين توزیع الدخل بطبقات المجتمع، فنصیب العمال یسمى أجر، و نصیب صاحب الأرض يسمى دخل و نصیب صاحب رأس مال یسمي ربح و نصیب الحكومة یسمى ضریبة.
بمعنى أن الثروة المنتجة تنقسم على اربع طبقات :
– طبقة العمال التي تأخذ الأجور.
-طبقة الرأسمال التي تأخذ الربح.
– الحكومة التي تأخذ الضریبة.
نظریة الریع عند “آدم سمیث”
ابدى أراء مختلفة حول الریع فأحیانا یعتبر أن الأرض من المكونات الثلاثة التي تساهم
ً في خلق القیمة و تكوین الثمن، و في هذه الحالة یتولد لدينا نتیجة ان ما تنتجه الأرض یعتبر الریع العائد
وذلك نتیجة ما تقدمه مع العوامل الأخرى للإنتاج فهي كلفة من تكالیف الإنتاج ، إلا أن “آدم سمیث” لا یتوقف عند هذا التعریف للریع ففي مجال آخر یعتبر الریع عائد احتكاري یتولد نتیجة تملك الأرض و احتكارها .
و یرى أيضاً في مجال ثالث أن الریع یعتمد على الثمن و لا یدخل في تحدید القیمة أو الثمن،
لأن الریع یظهر فقط عندما یكون الثمن مرتفعا .
ومن هنا یتضح إجمالاً أن “آدم سمیث” یمیز بین نوعین من الریع الناتج عن احتكار الأسعار
المنتجات الزراعیة و الریع التفاضلي الذي ینتج عن تفوق بعض الأراضي على الأخرى في درجة الخصوبة.
نظریة الأجور و الأرباح :
الأجر عامة هو ما یأخذه العامل نظیر أتعابه في الیوم أو في شهر أو في سنة، إلا أن “سمیث ” لا یستقر على تعریف واحد بخصوص الأجر، و لكن التعریف الشائع عنده هو أجر الكفاف بمعنى أن الأجر محدد بالحد الأدنى للتقویة أو الكفاف.
و للتوضیح أكثر فإن الأجور تساوي عادة قیم المواد الاساسية اللازمة لاستمرار العامل و عائلته .
أما على مستوى الكفاف یعتمد ذلك على حالة البلد أو المرحلة التي یمر بها وضعها الاقتصادي ، فالبلد الذي يمر بمرحلة نمو و ازدهار حیث الاستثمار یكون متزاید و رؤوس الأموال تزداد ففي هذه الحالة یكون الطلب على
العمالة مرتفع و بالتالي ترتفع الأجور إلى ما فوق مستوى الكفاف و الحد الأدنى للتقویت أما إذا كان البلد
یمر في مرحلة ركود اقتصادي حیث یتوقف النمو و تجنح الفعالیات الاقتصادیة إلى الاستقرار، فإنه
ینعكس على النمو السكاني الذي یتوقف بعدما تزاید في المرحلة السابقة، و من ثم سیقل الطلب على الید العاملة و سیكون العرض أكثر من الطلب الواقع علیها أو مساویاً له. مما یخلق جو من المنافسة بین
العمال في البحث عن العمل فتهبط الأجور إلى مستوى الكفاف.
و قد أدرك “سمیث” ضرورة رفع أجور العمال لأنها تدفع العمال إلى العمل و تزید من قوتهم و انتاجیتهم.
نظریة الربح :
یعرف “آدم سمیث” الربح بأنه ذلك الجزء من القیمة الذي یحصل علیه صاحب العمل أو صاحب
رأس المال بمعنى أن الربح هو نتاج الجهد الغیر مأجور الذي یقوم به العمال بمعنى أن الربح ما هو
إلا إستقطاع صاحب العمل من القیمة التي ولدها العامل نتیجة تمتلكه للأرض و رأس المال و احتكارهما له.
یتوقف مقدار الربح على كمیة رأس المال المستخدم في الإنتاج و على مقدار رأس مال المستثمر في الدولة فزیادة رؤوس الأموال یرافقه إشتداد المنافسة بین المنتجین و هبوط في الأرباح ، يرافقه ارتفاع الأجور و لهذا فإن الأرباح و الأجور تربطها علاقة عكسیة أي یتحركان باتجاه معاكس
لبعضهما البعض.
نظریة التوزیع عند :
طبق “دافید ریكاردو” نظریته أن القیمة على السلعة نفسها، حیث اعتبر أن العمل سلعة تتحدد قیمتها
بساعات العمل اللازمة لانتاجها أي یالحد الأدنى لمستوى معیشة الأفراد و الذي یكفل استمرار العمال
دون زیادة أو نقصان، و لهذا فإنه اعتمد علیها في تبیان كیفیة توزیع الثروة الناتجة عن
العملیة الإنتاجیة.
الدكتور محمد العبادي