دخلت الرياضة إلى المجتمعات في كل دول العالم بصفتها وسيلة لتخفيف الضغط عن الإنسان المعاصر، الذي يعمل. لمدة أسبوع كامل بغية تأمين المعيشة، وبدأت تصبح صفة أساسية في حياة معظم سكان العالم، لكنها تحولت مع مرور السنوات من مجرد هواية إلى عنصر أساسي وجزء من حياة كل شخص يتابع الأحداث الرياضية بمختلف أشكالها وأنواعها، والأمر المثير هو أن الرياضة حولت المتابعين إلى عناصر حزبية تنضوي تحت لواء الرياضة المفضلة.
فكل مشجع، مثلاً، يتابع كرة القدم، هو شخص ينتمي إلى مجموعة من الناس تعشق فريقاً لأسباب مجهولة تُعرف بـ«العقلية الوجدانية»، التي عرّفها علماء النفس على أنها علاقة تنمو منذ الصغر مع الشخص حسب طبيعة المحيط الذي يعيش فيه، وخصوصاً علاقة العائلة مع هذه الرياضة أو تلك، وتشجيعه هذا الفريق أو ذاك.
بعد ذلك يصبح الانتماء للفريق مثل التعلق بالعائلة أو المنزل، وبشرح مبسط فإن العائلة التي يوجد فيها كثير من الحزن ينعكس ذلك سلباً على الشخص المتواجد في المحيط، والعكس صحيح، فإن الفرح سيجعل الشخص مرتاح البال ويعيش بأمان، لكن ماذا لو تجسدت هذه النظرية بعلاقة المشجع برياضته المفضلة؟
يعتقد علماء النفس أن دراسة نفسية المشجع الرياضي واختبار حالته تبدأ من حالة عدم فوز فريقه، لأن المشجع في هذه الحالة يخرج عن السيطرة العقلية وينغلق على نفسه في «قفص ذهني مبطن» كما يسميه علماء النفس، أي أن حالة المشجع متعلقة بفوز فريقه أو خسارته كما حالة الحزن والفرح داخل العائلة في المنزل. واكتشف علماء النفس وجود نموذجين من ردة الفعل لدى الجماهير الرياضية والتي تؤثر بشكل سلبي أو إيجابي على شخصية المشجع، وهذان النموذجان يلحقهما بعض «المقبلات» التي لا يمكن معرفة أسبابها إلا من خلال دراسة عقلية المشجع عند الفوز والخسارة ولحظة دخوله في عالم رياضته المفضلة.
نموذجان من المشجعين في علم النفس
يندرج النموذج الأول ضمن ما يعرف بـ «Basking in reflected glory» أي «مدى تأثير الفرح بعد تحقيق الفوز»، إذ عندما يفوز الفريق المفضل يصبح شعور المشجع أكثر من ممتاز حتى لو كان يعاني من مشاكل نفسية ومعيشية وحتى صحية، فالمشجع ينسى كل شيء منذ أول لحظة يدخل فيها إلى عالم رياضته المفضلة، لأنه ينعزل تماماً عن العالم، حتى أن عقله يتوقف ويعطي حوالى 80% للمباراة التي يتابعها، والـ 20% المتبقية تتكون من أقرب الأشياء التي تتعلق بالرياضة أو المباراة التي يتابعها «مثلاً، مشجع يتابع مباراة كرة قدم في الملعب ولم يتناول وجبة العشاء، فتكون الـ 80% منخرطة في التفكير بمجريات اللقاء، كرة من هنا، كان من المفترض أن يسدد هكذا…، أما الـ 20% فقسم منها يتجه نحو اختيار وجبة الغداء أو العشاء والتفكير بها والأمر لا يتعدى لحظات بسيطة».
في المقابل فإن المشجع الذي يقول «نحنا فزنا»، لا يعني أنه هو من فاز لأنه لم يكن في الملعب من الأساس، لكن ذهنياً وفي عقله الباطني هو واحد من هذا الفريق وبالتالي هو واحد من هذه العائلة التي يحزن عند حزنها ويفرح عند فرحها، والعنصر المضحك أن المشجع الرياضي الأكثر تعلقاً برياضته المفضلة ويعتبرها بمثابة العائلة والمنزل، هو من يرتدي قميص فريقه في اليوم الثاني بعد الفوز، لأن هذا يعبر عن مدى سعادته ويرفع من معنوياته كثيراً.
أما النموذج الثاني فهو «Cut off reflected failure»، أي ما يعرف بـ«انعكاس الفشل على العقلية»، وهنا يندرج نوعان من المشجعين، «المتأثر» و«العاشق»، لذلك فإن النوع الأول وهو «المتأثر» لا يمكن تفسير ملامحه عند الخسارة، لأنه مشجع يكره أن يخسر ولا يرتدي قميص الفريق بعد الخسارة، بل على العكس يحاول الابتعاد قدر الإمكان عن أي مصدر يذكره بالخسارة او حتى بفريقه الذي يعشقه أصلاً، وأكثر المشجعين الذين ينتمون لهذا النموذج يحاولون الخروج بعد المباراة ومع الأصدقاء أو الزوجات أو مشاهدة فيلم في السينما.
وبالنسبة للنوع الثاني من المشجعين، فهم الذين يرتدون قبعات وقميص النادي الذي يعشقونه من دون اكتراث 1% للخسارة مهما كان حجمها أو قساوتها، وحتى البعض منهم يخرج مع الأصدقاء بقميص النادي، لأنه في عقله الباطني يعتبر أن فريقه بطل مهما سقط ، وهذا النوع من الجمهور هو الأكثر محبة وشغفاً بالفريق، لكن في الوقت نفسه هو الأكثر عرضة للمشاكل الصحية الناتجة من «الهيمنة العقلية» التي يفسرها العلماء بـ«True vs fickle»، أي ما يعرف بالشعور الصحيح والمشاعر المتقلبة، وهذان النموذجان يفسران تماماً كيفية تقلب المشجع من حالة السعادة إلى قمة التعاسة في لحظة واحدة.
كيف تتفاعل «العقلية الرياضية» خلال المباريات
قام علماء النفس بدراسة عينة كبيرة من المشجعين الرياضيين خلال اندماجهم في المباريات، إذ يعتقد العلماء والباحثون أن العناصر النفسية تظهر على المشجع في اللقاء بشكل فاضح، حتى أن العلماء يعتقدون أن المشجع يخرج عن إطار «الكبت العاطفي» في المباريات، إذ إن المشجع يصرخ ويتفاعل مع كل حركة في اللقاء، وحتى أن البعض منهم يصافح ويفرح ويعانق أشخاصاً لا يعرفهم من قبل، وحتى الشخص الخجول يكسر حاجز «الكبت» في عقله الباطن، ويفجر كل طاقته رفقة المشجعين دعماً للفريق الذي يحبه ويعشقه.
في المقابل فإن المشجع الذي يتابع المباراة من الملعب أو على الراديو أو حتى عبر الوقائع عبر شبكة الإنترنت، فإنه عرضة لتأثير يُعرفه العلماء بأنه «التكيف الخرافي» أو «superstitious conditioning»، وهذا الأمر اكتشفه عالم النفس الشهير، بورهوس فريدريك سكينير، عندما كان يدرب حمامته داخل صندوق تجاربه، لكي يدرس طبيعة تحركاتها والعقلية التي تفكر بها، خصوصاً أن الحمامة داخل الصندوق تفكر بطريقة للخروج منه، لكنه خلال الدراسة لاحظ أن بعض الحمامات تقوم بحركة عكسية قبل أن تأخذ الطريق الصحيح لأنها تعتقد في النهاية أنها نجحت وليس بالضرورة حصد الجائزة سريعاً بدون القليل من الحماسة والإثارة.
د سعيد ولدعربية محمد