لقد اولى الاسلام اهتماماً كبيراً بالإنسان وضمن له جميع الحقوق فقد
خلق الله تعالى الإنسان في أحسن صورة، ونفخ فیه من روحه، وأسبغ علیه مما لا يعد ولا یحصى من نعمه الظاهرة والباطنة، وفضله على كثیر من المخلوقات، وسخر له الكون، وجعله خلیفة في الأرض لإعمارها، وعبادته تعالى، ومنحه العقل، والعلم، والحواس، وحریة الاختیار ، لیعینه كل ذلك على تحقیق هذه المهمة، ولذلك فإننا نجد سورة كاملة في القرآن الكریم سمیت “بسورة الإنسان” إیذاناً بأهمیته، وعظم دوره في هذه الحياة الدنیا .
ِ ویقتضي هذا التكریم الإلهي للإنسان أن یتمتع بالعدید من الحقوق والمبادىء العامة التي ترعاه، وتحافظ على كرامته، وتضمن له حریته، كونه إنسان دون النظر إلى دینه، وجنسه، ولغته، ولونه، وثقافته، حیث عرفت هذه بمصطلح حقوق الإنسان .
ّ لقد ظهر هذا المصطلح بعد أن عانى الأوربیون من الظلم والتعسف والقهر على أیدي الإقطاعیین ورجال الدین، فقام من بینهم ممن يعاني نفس عن آلامهم، ونادى بحقوقهم، فقامت الثورات التي كان من أبرزها الثورات الأمریكیة المتعاقبة التي أفرزت إعلان حقوق الإنسان عام /١٧٧٦م/، والثورة الفرنسیة عام /١٧٨٩م/، ثم ما إن وضعت الحرب العالمیة الثانیة
ّ أوزارها عام /١٩٤٥م/ حتى استجابت الجمعیة العامة لهیئة الأمم المتحدة للأصوات المنادیة بوضع میثاق یضمن حقوق الإنسان .
ّ فتم التوقیع فیه على إعلان حقوق الإنسان المؤلف من ثلاثین مادة
ومما یجدر ذكره أن الإسلام لم یغفل عن هذه الحقوق، بل سبق بالدعوة إلیها، ورعایتها، فنجد النصوص القرآنیة الكریمة والنبویة الشریفة تحث على تكریم الإنسان، وتؤكد على ذلك من خلال التشریعات التي تضمن حمایة حقوقه، فكان من أولویات المجتمع الإسلامي الذي أنشأه النبي محمد صلى الله علیه وسلم في المدینة المنورة بعد هجرته إلیها مباشرة كتابة الوثیقة التي تعد أول دستور ینص على كفالة الحقوق والحریات، معاقباً كل من ینتهكها ویعتدي علیها، فكانت هذه الحقوق
من الواجبات الشرعیة التي یثاب فاعلها ویعاقب تاركها ،كونها منحاً من الله تعالى للإنسان .
ویهدف الإسلام من كل ذلك إلى بناء مجتمع إنساني یقوم على أمرین هامین هما :
حفظ حیاة الإنسان وكرامته
ً وأمنه .
وتحقیق العدل بین الناس جمیعاً دون النظر إلى اللون أو الجنس أو الدين ، وهذا مايضحض جميع الافتراءات على الدين الاسلامي الحنيف ، ليجدوا أنفسهم أمام منظومة دقيقة تعنى بحقوق الإنسان كاملة .
في زمن كانت أمريكا وأوروبا تستعبد أصحاب العرق الاسود وتذيقهم أشد أنواع الاضطهاد . كان المسلمون يطبقون قول الله تعالى يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولوعلى أنفسكم أو الوالدين والاقربين ،إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما ،فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا ،وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا”( النساء .
وقول النبي محمد صلى الله عليه وسلم : لا فرق بين عربي واعجمي ولا اسود وابيض إلا بالتقوى.
وبذلك يكون الاسلام أول من نادى وطبق حقوق الانسان ليحيى بكرامة وامان .
الدكتور محمد العبادي