ثقافة

حق الحرية و حق التربي

الحرية من الكلمات الغامضة

 

كلمة الحرية من الكلمات الغامضة التي تستعمل في معان مختلفة، ولذلك نبدأ بتحديدها.

المطلقة هي «أن يريد الإنسان ويعمل ما يريد من غير أن يكون لأي شيء آخر سلطان على إرادته أو عمله» وهى بهذا المعنى لا تكون إلا لله، فليس ثمة من لا تتأثر إرادته بأي مؤثر خارجي وعنده من القوة ما ينفذ به ما يريد إلا هو، وإذ كنا إنما نبحث عن حرية الإنسان لم يكن هذا المعنى المطلق بصالح.

إنما يصلح للناس حرية مقيدة، وقد جاء تعريفها في «إعلان حقوق الإنسان» الصادر في فرنسا سنة ١٧٨٩م بأنها «القدرة على عمل كل شيء لا يضر بالغير» وقريب منه ما قاله «هربرت سبنسر»: «كل إنسان حر أن يفعل ما يريد، بشرط ألا يتعدى على ما لغيره من مثل حريته» ومعنى قوله: إن الناس كلهم متساوون في حق الحرية، ولكل إنسان الحق أن يعمل ما يريد ما لم ينقص ذلك من حرية الآخرين.

وعرفها بعض الأخلاقيين «بأن يكون للإنسان الحق في ترقية نفسه بما يشاء من غير أن يتدخل أحد شؤونه، إلا إذا وجدت ضرورة تدعو إلى ذلك، أو كان التدخل لترقية من يتدخل في شؤونه، كما في الحجر على السفيه» وعلى الجملة إن هذا الحق يتطلب أن يعامل كل فرد معاملة إنسان لا معاملة متاع، ومن أجل هذا حرم الرق والإستبداد والتسخير ونحوها مما يعامل فيه الإنسان كأنه متاع يستخدم لغاية آخر.

ولفهم الحرية فهما صحيحا يجب أن نذكر أنواعها، ثم نبين كل نوع على حدته، فأهم ما نستعمل فيه الحرية ما يأتي:
▪الحرية التي هي ضد الإسترقاق، فيقال حر ورقيق.
▪حرية الأمم، ويعنون بها الإستقلال وعدم الخضوع لحكم الأجنبي.
▪الحرية المدنية، وهي أن يكون الشخص آمنا من التعدي عليه وعلى ملكه ظلما، وهذه الحرية تشمل حرية الرأي وحرية الخطابة وحرية التصرف في الملك الخ.
▪الحرية السياسية وهي أن يكون للإنسان الحق في أن يأخذ نصيبا في حكومة بلاده بالتصويت في الإنتخابات ونحو ذلك

☆ النوع الأول:
لا يحتاج هذا النوع إلى شرح طويل، فالفرق بين الحر والرقيق واضح جلي، وقد كان الاسترقاق فاشيا في العصور الماضية، ولم يكن ينظر إليه بعين المقت التي ينظر إليه بها اليوم

☆ النوع الثاني:
حرية الأمم أي استقلالها. والأمة تحب أن تتمتع بحريتها وتحكم نفسها، كما يحب الفرد أن يكون سيد نفسه، وتحس الضعة والمذلة إذا حكمها غيرها

☆ النوع الثالث:
الحرية المدنية. لا يتمتع الفرد بهذا النوع من الحرية إلا إذا كان في أمة قد بلغت حظا من المدنية، فالأمم المتبدية — حيث لا يأمن الفرد فيها على نفسه من القتل أو السرقة أو مصادرة أملاكه — لا تتمتع بالحرية المدنية، فإذا تقدم الناس في الحضارة أصبح لكل فرد في الأمة الحق أن يدافع عن نفسه أمام القضاء، وأمن أن يسجن أو يحبس أو يعاقب أية عقوبة إلا إذا حكم عليه بمقتضى قانون البلاد، ولا يصح أن يتعدى عليه في غير هذه الحالة، ولا أن يكون ضحية لطمع كبير، أو انتقام حاكم كما كان الشأن قبل رقي الإنسان.

☆ النوع الرابع:
الحرية السياسية. ونعني بها أن يكون للإنسان نصيب في حكم بلاده، فالأمة إذا كان ممثلوها هم المشرعين لها والمديرين لشؤونها قيل: إنها تعمل حسب ارادتها، وهذا هو معنى الحرية، أما إن كان يشرع لها ويأمرها من لم يمثلها لم تكن تعمل حسب ارادتها بل هي مضطرة مجبرة، والجبر ينافي الحرية.
وقد ثبت هذا الحق «حق الحرية» للإنسان لأنه لا يستطيع أن يكمل نفسه ويرقي أخلاقه ويصل إلى غايته إلا إذا كان حرا.

《حق التربي:》

لكل إنسان الحق أن يتربى ويتعلم حسب كفاءته واستعداده، فله الحق أن يتعلم القراءة والكتابة وأن يرقي ملكاته في الفنون والعلوم حسب ما يسمح له استعداده، وأن يتهذب بأنواع التهذيب المختلفة.

وإنما كان له هذا الحق لأن التربي وسيلة من وسائل الحرية، ومن وسائل الحياة الراقية، فالجهل إذا فشا في أمة أثر فيها أثرا سيئا في جميع مرافقها سواء في ذلك الشؤون الاقتصادية والصحية والاجتماعية والسياسية، فالمتعلم يستطيع أن يتكسب ويدير أمور معيشته وينظم حياته أكثر مما يستطيع الجاهل، والأسرة المتعلمة أقدر على مراعاة الأمور الصحية من الأسرة الجاهلة، وإذا كثر الجهل في أمة كثر فيها الفقر والتشرد والإجرام، والمتعلمون أصوب حكما إذا انتَخَبُوا من ينوب عنهم، وأصدق نظرا وأقوم رأيا إذا انْتُخِبُوا، والمرأة المتعلمة أقدر على تربية أبنائها وتنظيم بيتها وإدارة شؤونها وهكذا، والعلم باب للأخلاق القويمة والدين الصحيح، به يشعر الإنسان بنفسه، وبه يدرك الحياة العالية، وبه ترقى شخصيته.

وواجب على الحكومات إزاء هذا الحق إعداد الوسائل لكل فرد من أفراد الأمة لينال درجة من التربية تؤهله لأن يكون عضوا صالحا في الجمعية يعرف حقوقه وواجباته، ويجب ألا يحول بينها وبين القيام به فقر الأب أو نحو ذلك، وبعبارة أخرى يجب أن يجد كل طفل فقير مكانا يتعلم فيه، وأن يكون التعليم يؤهل الناشئين لأن يفتحوا لهم طريقا في الحياة حسب كفاءتهم وميولهم، ويبعث فيهم الرغبة في أن يعيشوا عيشة أخلاقية صالحة، وعليها إعداد المعلمين الصالحين للقيام بهذه المهمة، وواجب على الأغنياء والجمعيات مساعدة الحكومات في نشر التعليم لنيل هذا الغرض.

وهذا الحق لم تقومه الأمم التقويم الذي يستحقه حتى أعلى الأمم حضارة، وهم يسيرون بجد في سبيل تحقيقه، نعم إن أكثر الأمم الممدنة خطت خطوات واسعة في تسهيل التعليم الأولي وتعميمه وجعله إجباريا، ولكن لا تزال هذه الأمم مقصرة في التعليم العالي، ففيها تجد كثيرا من الراغبين في تتميم علومهم قد سدت الطرق في وجوههم، إما للنفقات التي تفرض عليهم، وإما لاشتراط شروط أخرى لم تتوافر فيهم، والمثل الأعلى للأمة أمة يجد فيها كل فرد وسائل رقيه وتعلمه ممهدة موفورة.

إئتلاف التنمية
أ.فتحى بنحميدة
نائب القائم بتصريف أعمال وزارة التنمية المستدامة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى