عندما استوطنت تلك المدينه، العامرة بالجمال والصخب، هرباً من ويلاه الريف ووحدة، وتطاول ايدي الطغاة، على القانون والحكومة، هجرت بيتي وأرضي، وفي مسكني الجديد أعتدت، في اوقات الصباح الباكر،
الذهاب الحديقة حبًّا بالطبيعة، والأشجار والزهور، ومن عادتي الجلوس على كرسي قريب من الباب الرئيسي، كي أراقب الناس للداخل والخارج، واستمتع بأحاديث المارة، وأنا أكتب يومياتي، قبل الولوج لدرس الرياضة، كان يدخل شاب إلى الحديقة وسيم أشقر وناعم الملامح، رياضي البدن، ويجلس بالمقربه مني، و يراقب الباب الرئيس بشغف عجيب، وإذا بفتاة ذات سمرة حنطية
وعيون سوداء وشعر اسود منسدح على ظهرها وصدرها فاحم السواد وأنف ومدبب ناعم وثغر مبتسم ولكل مافيها جميل، تكاد تكون دمية، ولكن تجلس على كرسي متحرك، يقف مسرعات ذلك الشاب يهرول إليها يساعدها في نزول درجات الحديقة، وبعد نزولهم الدراجات يقبل يدها وهي ضاحكة بكلَّ سعادة وسرور، كأنها فرخ عصفور أوشك على الطيران، يأخذها ويجري بها على مسارات الجرى وهي ممسكة أطراف كرسيها يغيبون في المسلك ويعودان من الجهة الثانية حتى يتصبب العرق من كل بدنيهما هو من كثرة الجري وهي من الخوف والفرح بآن واحد،
ويعادان لنفس الكرسي القريب فيجلسان ويمزحان ونظاراتهما يملكها الحب العميق، وهذي كانت عادة يومية مرت أشهر كثيرة ، حتى صرت اراقبها وهي تقفز لحجرة من الكرسي فينتشلها من السقوط على الأرض ويساعدها في المشي لخطوات للوصول للكرسي، ومع الأيام صرتُ أراها تقف وتمشي خطوة او خطوتين بنفسها قبل أن يقف بمساعدتها وزادت الخطى، فغبت أيام كنت في رحلة بحرية، وكالعادة ذهبت لمكاني فأتى وكما أنني أراه أول مرة بنفس الشغف والترقب، وأنا مثلة ادمنت مراقبة الباب لحين وصولها لا استمتع بجمالها الخارق، لاتفاجئ بها وهي تمشي على عكازتين، يسرع إليها ويحملها لينزلها درجات الباب، ويتابعان المسير في المضمار، وأحيانا أراها تمشي بلا عكازين، لخطوات كثيرة، فجاءتني يومًا سفرة خارج القطر، فذهب واستمر غيابي لعامين متتالين، وعدت وعادت عادتي الذهاب للحديقة، لاراهما هذه المرة يحتلان الكرسي الذي كنت اأجلس عليه، من رآني من بعيد قاما لكرسيهما المعتاد، و لم يخطر ببال في اللحظة ما كانت عليه، وعلى حين جلوسي بادراني بالسلام، ويسألني عن طول هذه الغيبة الطويلة، وحرارة لقائيهما اجهشتني بالبكاء، ولما رأيت من منظرهما وخاتما الخطوبه بأصابهما
واقترابا مني وجلسا معي، وعند عليما بأنّي كاتب وشاعر فقصا عليا قصتهما السرية، قصة الحب والعشق الذي زرع الحياة في ساقيها ،وعادت إمراة تمشي بدون اي وسيلة ولكن بعرج بسيط،
قاما وكل الفرح والنشاط والحيوية تمتلكهما، اومئا لي بالوداع،وهما يمشينا قالا: (منى وراتب) الحبَّ يصنع المعجزات.
أ. أحمدخليف الحسين،، الهيئة العامة للثقافة والفنون والآثار