في زحمة الحياة ومع تدفق الأفكار، نجد أنفسنا في أحيان كثيرة نُخطئ في تقدير معالم هويتنا واحتياجاتنا. نبحث يائسًا عن وطن يحمل في جناحيه الأمان والراحة، بينما نجد أن كل زاوية من زوايا حياتنا قد تحولت إلى منفى. يتجسد المعنى العميق للوطن في شعور الانتماء، ذلك الشعور الذي يُعزز الذكريات الجميلة والأحلام التي تطاردنا.
لكن ماذا لو كانت تلك الأحلام مجرد سراب؟ نعيش على أمل العثور على المكان الذي نستطيع فيه أن نكون أنفسنا، غير مُدانين ولا مُقَيّدين بمقاييس الآخرين. هنا يأتي التحدي: كيف نُعيد تشكيل مفاهيم الوطن والانتماء في عقولنا، بدلًا من تركها تتلاشى في ضجيج الحياة؟
إن التقدير الخاطئ لأهمية الأشياء من حولنا، قد يقودنا إلى الخسارة. إن الوطن ليس مجرد حدود أو جغرافيا، بل هو شعور يدغدغ الروح، يجمع بين الذكريات، وينسج خيوط العلاقات الإنسانية. نحتاج إلى العودة إلى تلك اللحظات التي تمنحنا الشعور بالانتماء، كفكرة بسيطة ولكن عميقة.
وعندما نشعر أن المحيط قد خاننا، علينا أن نتساءل: هل نحن من يُخطئ في التقدير، أم أن العالم هو الذي يخفق في استيعابنا؟ ربما العزلة التي نعيشها هي دعوة للبحث في أعماقنا عن الوطن الحقيقي، الذي يكمن في قبول ذاتنا بكل عيوبها.
لنكتشف أن المنفى يمكن أن يكون أيضًا مكانًا للتأمل والنمو. قد تمنحنا تلك الأوقات الصعبة فرصة للتعرف على حقيقتنا، ولإعادة تشكيل مفاهيمنا عن الهوية والانتماء. لنخلق من تلك المسافة فضاءً لتجديد الآمال والأحلام، ونحول عزلتنا إلى مصدر قوة وإبداع.
لا يزال البحث عن الوطن مستمرًا، لكن ربما علينا أن نبدأ من الداخل، لنكتشف وطننا الذي لا يُقاس بالمسافات، بل بمدى وجودنا في ذاتنا.
الهيئة العامة للثقافة والفنون والآثار،، أ. قتيبة حسين علي