في عمق الغابة السوداء، تتسلل أشعة الشمس بخجل بين أغصان الأشجار العملاقة، مثل ومضات الأمل في قلب مظلم. نحن كأوراق شجر تائهة، تراقصها الرياح، تسعى جاهدة للوصول إلى ضوء الشمس، متشبثة بأمل لمسة الدفء.
لكن ما أن نصل إلى تلك الأشعة، حتى ندرك بأننا وقعنا في فخ الملل، مثل الغابات التي تنعم بصمت مخيف حين تهدأ الرياح. نحن مثل الأنهار التي تتدفق بقوة حين تذوب الثلوج، لكنها تتوقف في بحيرات راكدة عندما ينتهي التدفق. الضجر هو تلك البحيرة الراكدة، التي لا تعرف الحركة ولا الحياة.
الطبيعة نفسها تروي لنا حكاية هذا التناقض الأبدي. الأشجار تعانق السماء، متمنية الوصول إلى النجوم، ولكنها تبقى مغروسة في الأرض، مقيدة بجذورها. الأزهار تزهر لتجد شغف الربيع، ولكنها تذبل في خريف الحياة. الحياة كالعاصفة، تبدأ بقوة وتخفت إلى هدوء مخيف، تاركة خلفها أرضًا باردةً ومهجورة.
في نهاية المطاف، نحن كالحجارة في مجرى النهر، تتلاعب بنا المياه، نحلم بالثبات، لكننا ندرك أن الثبات نفسه هو موت بطيء. لعلنا نحتاج إلى أن نكون مثل النسيم، نتقبل تغيرات الطبيعة، نعانق الفصول بكل تناقضاتها، وندرك أن الملل ليس سوى جزء من هذه الرحلة الغامضة.
“وهل للضجر نهاية؟”… ربما يكون الضجر هو الصدى الخافت لطبيعة الحياة نفسها، تلك الحياة التي تتحدى بأسرارها، وتخفي بين طياتها أجوبة لا يمكننا الوصول إليها إلا إذا احتضنّا الغموض والكآبة كجزء لا يتجزأ من وجودنا.
وهكذا، كالفصول التي لا تنتهي، تظل حياتنا دائرة لا متناهية من الأمل والضجر، الصراع والهدوء. نحن مجرد ظلال عابرة في مسرح الطبيعة، نلهث خلف سراب السعادة بينما نغرق في مستنقع الملل. ربما، في نهاية المطاف، تكمن الحكمة في قبول هذه العبثية، في احتضان هذا الفراغ. فكما أن للأشجار جذورها العميقة في الظلام، وللأنهار ركودها البارد، كذلك نحن محكومون بالتعايش مع صدى الكآبة الذي يملأ فراغ وجودنا. وربما، في تلك اللحظة التي ندرك فيها أن لا شيء يمتلك قيمة مطلقة، سنجد نوعًا من السلام الغامض، ذلك السلام الذي لا يأتي إلا مع فهم أن الحياة، بكل تناقضاتها وأوجاعها، ليست سوى لوحة سوداء، تتخللها بضع ومضات من الضوء الباهت.
الهيئة العامة للثقافة والفنون والآثار،،، أ. عامر مروان