الأولمبياد . . . الرياضة مرآة المجتمعات، د. قطر الندى عزيز دعدوش
الرياضة مرآة المجتمعات
في عالمنا المعاصر تكتسب الرياضة صفة المرآة التي تعكس واقع المجتمعات والشعوب بشكل قاطع ودامغ ، فحين نرى دولا تتزاحم فيها الأضواء الرياضية وتتألق بإنجازاتها الباهرة ، يتجلى أمامنا مشهد متكامل من الرخاء والتقدم في جميع جوانب الحياة ، من الاقتصاد إلى التعليم ، ومن الاستقرار السياسي إلى الرفاه الاجتماعي ، أما في المقابل ، فحين تعاني دولة من الهزائم المتكررة والثقيلة في الميادين الرياضية ، يكون من المنطقي أن نتوقع وجود أوجه عديدة من التحديات والتخلف في مجالات أخرى .
دعونا نتفق على أن رؤية الدول المتقدمة تحتكر و تحصد الميداليات الذهبية بأعداد غير معقولة بينما تكافح الدول المتخلفة لتخزين ميدالية واحدة في خزانتها ، هو مشهد كاريكاتوري بامتياز ، فأنت تعرف أن البلاد التي تنتج قنابل الذرة وقبعات السباق بشكل يفوق خيالنا ، لا يمكن أن تكون سوى دولة تتوفر فيها جميع أشكال ومقومات التقدم ، بدء من البنية التحتية و انتهاء بالخبز الطازج ، في حين أن الدول التي تعاني من مشاكل في توفير الكهرباء والماء والزيت والحليب . . . لن يكون لديها الوقت لممارسة الرياضة والاعتناء بها ، كونهم مشغولون بإيجاد وسيلة لتشغيل الثلاجة .
وبالطبع كل دورة أولمبية تصبح مسرحا كوميديا بامتياز يذكرنا بحقيقة مؤلمة مفادها انه لا يمكن لأي دولة متخلفة أن تكون متقدمة في الرياضة ، فالأمر أشبه بمحاولة وضع قناع من الذهب على خنزير أكرمكم الله ، لأننا بوضوح نعيش في زمن تستطيع فيه الدول المتقدمة التفاخر بإنجازاتها الرياضية بينما نضطر نحن إلى التمني فقط أن نتمكن من إرسال عدد قليل من الرياضيين إلى أولمبياد دون أن ينفجروا من الفرحة لأنهم حصلوا على ملابس رياضية نظيفة .
في النهاية لنقل بوضوح : لا يمكن أن تكون دولة متخلفة لكن في ذات الوقت متقدمة في أي مجال آخر ، فالتخلف هو كتيبة كاملة من الهزائم التي تقبع في انتظارها على كل الجبهات ، والرياضة ليست سوى مشهد يضيف لمسة من السخرية إلى هذه الصورة السوداء ، من الأفضل لنا أن نركز على معالجة الأسباب الجذرية للتخلف بدلا من انتظار المعجزات الرياضية التي لن تأتي أبدا في ظل هذه الظروف.
د. قطرالندى عزيز دعدوش ،، الهيئة العامة للثقافة والفنون والآثار