نظرية التفويض الإلهي في الحكم، أ. قتيبة حسين علي
نظرية التفويض الإلهي الناشيء عن العناية الإلهية:
ترى هذه النظرية أن الله لايختار الملوك بإرادته مباشرة ولكن العناية الإلهية توجه الأحداث والأفراد لإختيارهم ومن أنصارها بوسوية وبونالد وجوزيف دى مستر، وتعلل النظرية سلطة الحاكم وتتسع للديمقراطية المستمدة من إرادة الله وبذالك يمكن أن يستبد الحاكم بالسلطة لأنه يستمدها من الله .
فبعد إنهيار الإمبراطورية الرومانية في القرن الخامس أصبحت الكنيسة مسيطرة على المسحيين فأدى ذلك إلى سيطرتها على السلطة الزمنية حيث أصبح البابا يسيطر على الحاكم ،ولكن مع الزمن إنحسر دور الكنيسة لعوامل عدة منها إقتصادية و إجتماعية وفكرية.
▪︎ انتشار النظرية
انتشرت الفكرة القائلة بأنّ الله قد أعطى السلطة الأرضيّة إلى الملك كما أعطى السلطة الرّوحية إلى الكنيسة وخاصّة البابا، في العصور الوسطى بشكلٍ كبير، وذلك خلال فترة طويلة، قبل أن يطلق الكتّاب لقب «الحقّ الإلهي للملوك» ويوظّفونها كمصطلح في العلوم السياسيّة. فعلى سبيل المثال، أعلن ريتشارد الأول ملك أنكلترا في محاكمته خلال المجلس التشريعي في مدينة شتاير الألمانية عام 1193: «لقد وُلدت في منزلة لا يتفوّق عليها أحد سوى الله، وأمامه فقط أكون مسؤولاً عن أفعالي». وكان الملك ريتشارد الأول أوّل من استخدم شعار “Dieu et mon droit” بمعنى «الرب وحقّي» وهو الشعار الذي لايزال شعارَ ملك المملكة المتّحدة حتّى الآن.
برّرت نظريّةُ الحقّ الإلهيّ –خلال فترة ظهور الدّول القومية والإصلاح البروتستاني في أواخر القرن السادس عشر- سلطةَ الملك المطلقة على كلّ الأمور السياسيّة والروحية. فأعلن ملك انكلترا هنري الثامن نفسه ملكاً على كنيسة إنكلترا، ووسّع الصلاحيّات الممنوحة للملك بشكل كبير مقارنةً مع تلك التي حظي بها أسلافه، تمّ تطوير ” الحقّ الإلهي للملوك “كنظريّة سياسيّة” من قبل ملك اسكتلندا جيمس السادس (1567–1625)، والذي أصبح ملك إنكلترا الأوّل (1603–1625)، وقام ملك فرنسا لويس الرابع عشر (1643–1715) بالترويج لهذه النظرية بشكل كبير.
وفي القرنين السادس والسابع عشر تطورت النظرية في إنجلترا وأخذت شكل الحق المقدس للملوك أما في فرنسا فكان عصرها الذهبي في القرنين السابع والثامن عشر حيث ساد المثل القائل أن ملك فرنسا لا يستمد ملكه إلا من الله وسيفه في إشارة لمعارضة السلطة الدينية قليلا ،فالويس الرابع عشر ذكر في مذاكراته أن سلطة الملوك مستمدة من الله وهم مسؤولون أمامه وحده لا من الشعب وكان الحال كذالك في ألمانيا حيث رددها غليوم الثاني.
وإعتمادا على هذه النظرية أعطيت السلطة السياسة قداسة دينية مما أدى إلى إستبد الملوك بشعوبهم وبررو سلطتهم المطلقة لأنهم غير محاسبين إلى من الله ،ولكن ما إن تلاشت هذه النظرية بسبب يقظة الشعوب و ظهور أفكار حديثة.
و قد ظهر فلاسفة وباحثون برروا هذا الاستبداد والعبودية وفلسفوها في قوالب متعددة؛ فجاء هوبز ليتملق ملوك عصره مطالباً بأن لهم الحق في سلطة مطلقة يستطيعون بها تنفيذ العقد الموهوم، وكذلك كان جان بودان (1596) وجروتس (1645) من المدافعين عن الحكم المطلق، ويعلل بودان ذلك بأن الحكم غير المطلق معرض للثورات والفتن وصراع الأحزاب، وينكر نظرية العقد المجتمع لأنها تمنح الفرد الشعور بالمشاركة في تكوين الدولة.
أما جروتس فيدافع عن الاستبدادية بذريعة أنها أفضل السبل لتطبيق القانون الطبيعي، وأن الناس إذ قد ارتضوا هذا النوع من الحكم، فليس من حقهم أبداً أن يتراجعوا عنه .
وفي القرن التاسع عشر تطورت هذه الفكرات إلى فكرة فلسفية معقدة على يد هيجل (1900)، ومدرسته التالية التي تمثل حلقة وصل بين العقائد المسيحية وبين النظريات الفلسفية المجردة، ولعل أعظم ما حققه أساتذتها هو تحويل الدين إلى فكر ومنطق.
فتحول الله إلى مطلق، والوحي إلى معرفة مطلقة، والمسيح إلى توسط، والشريعة إلى قانون مجرد، أي: أن العقيدة هي الحياة نفسها، والعقائد رموز تفكك إلى حقائق .
ويرى هيجل أن التاريخ هو عبارة عن (تطور منطقي قائم على أساس مفهوم التقدم نحو النظام والمعقولية والحرية)، والدولة ليست مصطنعة عن طريق عقد اجتماعي أو غيره، بل هي كائن طبيعي له وجوده المتميز إذ هي تجسيد للحرية التي يرنو إليها التطور التاريخي.
▪︎ مظاهر نظرية التفويض الإلهي :
وتتخذ النظرية على مظاهر ثلاثة وهي :
1-تأليه الحاكم:
سادت هذه النظرية في العصور الأولى عندما كان الإنسان الأول يعتمد على القوى الخفية طلبا للعون وسعيا للأمن و الطمأنينة ثم أصبح المجتمع يعتمد على الأساطير و الرهبنة فأختلطت السلطة السياسية بالدين والعقائد مما أضفى عليها قدسية فأصبح الحاكم والزعيم إله يجب طاعته والخضوع له وحتى تقديم القرابين له وهذا ماكان سائد عند الرومان وموجود في اليونان واليابان والهند ومصر.
ففي مصر الفرعونية كان يعتبر فرعون أنه يأتي من أصلاب الألهة أو أنه إله كما كان في عهد الأسرة الرابعة والخامسة فيجب طاعته و تقديم القرابين له حيث أن العبادة هي عبادة فرعون وهذا جعل فكرة الملكية الإلهية متأصلة في الفكر المصري حيث أستغلتها الأسرات الأولى لدعم حكمها، وهذا ماخلق صراع بين الملكية المصرية وحكومة الكهنة.
وفي الهند كانت قوانين مانوا القديمة تمنح سلطات دينية للملوك من الإله الأكبر براهما حيث يجب طاعتهم و تقديسهم،وفي اليابان كان الميكايدو أي الملك ينظر إليه أنه الله حتى بعد الهزيمة في الحرب العالمية الثانية.
وفي المدن الرومانية كان الحال نفسه ففي روما كان النظام ملكي مطلق حيث كان الملك رئيس الديانات ويضع القوانين و يطبقها و أختفى هذا الشئ في العصر الجمهوري وعاد في العصر الإمبراطوري وكانت ديانة الإمبراطور هي الديانة الرسمية للدولة ، وكانت تقام للملك الشعائر الدينية وعند موته يصبح إله وتصبح عبادته ديانة الدولة الجديدة.وبهذا فإن تأليه الحاكم يجعله مقدسا ووجب طاعته و عدم مخالفته فهو بذلك لا يمكن مناقشته أو نقده أو توجيهه.
2-نظرية التفويض الإلهي الخارج عن إرادة البشر:
تذهب هذه النظرية إلى أنّ من يحكم الدولة سواء كان ملكا أو حاكما (السلطة السياسية) تستمد شرعيتها و سلطتها من الله أو ما يسمى القوة العليا، وسادة هذه النظرية في الفكر القديم فكان يعتقد أن الأمبراطور في الصين يستمد سلطته من السماء وأن له السلطة المطلقة وكان يساعده مجلسان الأول مجلس أعيان وهو من الأمراء والأرستقراطين والثاني من خيرة رجال الدولة وهو مجلس الوزراء،و جاء في الديانة اليهودية أن الله هو مصدر السلطة وهو من يستطيع نزعها ،وفي الديانة المسيحية كان مايقوم به الحاكم من إكراه و عقاب هو بسبب الخطيئة الأولى فيجب دائما طاعته إلاّعند مخالفه تعاليم الكنيسة فقال بولس أن جميع الناس يجب خضوعهم للسلطات العليا لأن الله وضعها في يد الملوك و أن للسلطة الإلهية سيفان :
أ – سيف السلطة الدينية الذي وضعه الله في يد البابا
ب – سيف السلطة الزمنية الذي وضعه الله في يد الأمبراطور .
وهذا ما دعى إليه كثير من رجال الكنيسة منهم القديس بييروامبرواز و بول والبابا ليون الثالث عشر.
3-نظرية التفويض الإلهي الناشيء عن العناية الإلهية:
ترى هذه النظرية أن الله لايختار الملوك بإرادته مباشرة ولكن العناية الإلهية توجه الأحداث والأفراد لإختيارهم ومن أنصارها بوسوية وبونالد وجوزيف دى مستر، وتعلل النظرية سلطة الحاكم وتتسع للديمقراطية المستمدة من إرادة الله وبذالك يمكن أن يستبد الحاكم بالسلطة لأنه يستمدها من الله .
فبعد إنهيار الإمبراطورية الرومانية في القرن الخامس أصبحت الكنيسة مسيطرة على المسحيين فأدى ذلك إلى سيطرتها على السلطة الزمنية حيث أصبح البابا يسيطر على الحاكم ،ولكن مع الزمن إنحسر دور الكنيسة لعوامل عدة منها إقتصادية و إجتماعية وفكرية.
▪︎ أهم ماأخذ على هذه النظرية :
1- لقد صلحت هذه النظرية في عصور الجهل ولاتصلح في عصر العلم والعقل والفكر المستنير حيث الإعتماد على الدين يخرج عن إطار البحث العلمي.
2-أصبح الإعتماد اليوم على العقل والفكر أما الإيمان فيكون في الجانب الروحي فقط.
3-لم تقرها الأديان السماوية سواء الإسلام الذي جمع بين الدين والدولة أو المسيحية التى فصلت بينهما.
المصدر:
المراجع إلكترونية
أ. قتيبة حسين علي