الإنسان، كمخلوق بشري، يمتلك قدرة فريدة على استيعاب النصوص بعمق وتأمل. وعندما يجد نصًا يعبّر عن تجاربه الشخصية بدقة مذهلة، يندمج معه بشكل لا يصدق. فاللغة، بحُسن تركيبها وقوة تعبيرها، تمتلك القدرة على تحفيز مشاعرنا وأفكارنا بشكل يجعلنا نشعر وكأننا تمامًا وُلِدنا لهذا النص.
عندما يجد الإنسان هذا التشابه البديهي مع النص، يظن أن الحروف والكلمات قد رُصِعَت خصيصًا لتُعبر عنه وحده. وكأن الكاتب، بموهبته وإحساسه، ينسج لوحة بديعة تتلامس مع وجدان كل قارئ بشكل مختلف وفريد. فالنصوص العابرة تصبح رافعة لروح الإنسان، تنتشل أعماقه وتجعله يشعر بالانتماء والتأصيل.
لذا، يبقى الإنسان مسافرًا في عوالم النصوص، يتذوق كل كلماتها بعمق، يعيش تجاربها بكل وتيرتها، ويجد في كل نص جزءًا من ذاته ينبض بالحياة. فالنصوص العابرة ليست مجرد حروف وكلمات، بل هي عالم مليء بالحكمة والجمال يعيد تشكيل رؤية الإنسان عن ذاته وعن العالم.
ولذا فإن قدرة الإنسان على التفاعل مع الكلمات والنصوص تعكس عمق تأثير اللغة والأدب على الروح والعقل. وكلما وجد الإنسان نصًا يعكس مشاعره وتجاربه بدقة، ينبثق الشعور بالتماهي والاندماج التام مع تلك الكلمات، مما يخلق انعكاسًا ملموسًا لذواتنا داخل عروق النص.
اذ اللغة، بإتقانها وجماليتها، تمتلك القدرة العجيبة على أن تكون جسرا يصل بين الكتاب والقارئ، مُنثورة بين سطور المقالات والروايات كالحبل الذي يربط بين القلب والعقل. فتستطيع الكلمات أن تلامس أعماقنا برقّة، تخاطب أحاسيسنا بدقّة، وتشعل شغاف الذكريات والأحلام في داخلنا. فتجد الروح راحتها وسكينتها بين صفحات الكتب، حيث تستقر كأنها وجدت وطنها الحقيقي. وتلك الكلمات التائهة في أعماقنا تجد لها ملجأً في ذلك النص العابر الذي يعيد ترتيبها ويمنحها معنى واضح.
وعندها يتفاعل الإنسان مع النصوص بعمق، ويجد نفسه يتشارك الفرح والألم مع الشخصيات، فيسافر عبر الزمان والمكان دون أن يترك مكانه، وكأنه يعيش حياة جديدة خلال صفحات الكتب. إذ أن تلك القوة الساحرة للكلمات تمكنها من تشكيل عوالم موازية يمكن للقارئ أن يستقر بها ويجد بها ملاذًا له ولأفكاره المتشتتة.
وهكذا، تظل اللغة تحتضننا بدفء الأمومة، تمدنا بالأمان والتواصل، وتمنحنا القدرة على فهم أنفسنا والعالم من حولنا بشكل أعمق وأكثر تلاحمًا. فعلى شفاه كلمات الكُتَّاب ترقص أحاسيسنا، وتصبح أوراق الكتب مرآة تعكس صورتنا الحقيقية ومشاعرنا الصادقة.
قتيبة حسين علي