خارج أسوار السياسة
ما أروع أن نحيا بالأمل، فلولا الأمل لتشوهت المساحات البيضاء في داخلنا،
ما أروع أن نحيا بالأمل، فلولا الأمل لتشوهت المساحات البيضاء في داخلنا، وفقدت الزهور روائحها، وجفت أوراق الشجر، وأصبح الحزن بلا نهاية، وأصبحت حياتنا كلها يأس
ربما يقول قائل أن حياتنا قاسية وصعبة ولا يوجد بها فرح ، لكننا نعيش حياتنا ونثري الإنسانية بابداعاتنا وجمال أرواحنا
حقاً :
أخبروا قلوبكم أنها تستحق الفرح و املؤوها بالابتسامة ، و استودعوها الله ، و كونوا مُطمئنين .
فالسعاده ليست حلماً و لا وهماً و لا شئ مُحال
بل هي تفاؤل وحُسن ظن بالله ؛ وصبر بغيِر إستعجال .
أيها السادة الأفاضل:
الحياة لا تصفو لأحد من المصائب والأكدار، ولا تغدو مرتعا للهناء والعيش المريح على الدوام دون وجع ولا ألم، فلا أمان من تقلباتها، لذا فهي تتطلب نفساً كبيراً وصبراً كثيراً لخوض كل معتركاتها الوعرة دون الوقوع في مصيدة اليأس، فلا ينتظم أمر هذه الحياة إلا إذا كانت العلاقة بين العبد وربه متينة، لذا فليس هناك شيء أشرح للصدر بعد الإيمان بالله من حسن الظن به سبحانه.
هذه هي الحياة بكل الحلو والمر الذي فيها، وهي الطريق الذي اختاره الله عز وجل لنا، ويختبرنا الله فيها، لذلك يجب ألا نتهرب ونشعر بالملل منها، وندعو الله تعالى أن يوفقنا في كل أيامنا.
لقد رحم الله عباده وسهل عليهم أمور الحياة، وهذه الحياة لا تساوي عند الله العزيز جناح بعوضة، ولو أنها تساوت معه لما شرب كافر من مياه الدنيا.
نحمد الله على نعمه وجعله لنا من أمة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
إن الطرق التي نسلكها في هذه الحياة لا نعلم مصيرها إن كان شراً لنا أو خيراً، فيا رب وفقنا لما تحبه وترضاه
وفي الحقيقة:
تفتقر حياتنا الحديثة إلى مفهوم البساطة حيث تمتد يد التعقيد فتطال أبعاد حياتنا بل وفضاءاتنا التي أصبحت مشوشة وأكثر تشابكاً، وباتت تؤثر حتى على أمزجتنا ومساحات تفكيرنا التي أصبحت مكتظة فلا سبيل للهدوء والتأني الفكري. وإذ نلاحظ أن هناك شعورا بالتخمة الفكرية، فالأفكار متضاربة ومتشاحنة وسريعة تتزامن مع الحياة المعقدة الممتلئة فلا تأخذ وقتها الكافي في المعالجة والتحضير في مصنع العقل فتتزاحم الأفكار دون هوادة على أعتاب الذهن نتيجة لرتم الحياة المتسارع، فيعاني الإنسان من وطأة هذه الأفكار التي ترهق عقله وتستنزف طاقته.
علينا أن نحيا حياة بسيطة ، خالية من
مظاهر التعقيد ، لأن تعقيدات الحياة أفقدتنا الراحة والاسترخاء ، بعد أن ضجت بالماديات وشغلنا دون جدوى
فينا من غرق في وحل التظاهر والتفاخر وحب الامتلاك اتق الله وغادر هذا المربع ، فالتفاخر والتباهي جعلنا نحلق في الفضاء لذا غادرت الراحة الحقيقية كل مناحي حياتنا
فالبساطة فى البيت يعطي الراحة والاستقرار والسعادة والهناء للنفس البشرية …
وغني عن التعريف، نجد أناساً ضاقت بهم الحياة بما رحبت
في العمل وفي البيت والشارع ولكن نفوسهم مزرعة بالأمل والرهان على الغد الجميل
وعلى الجانب الآخر نجد أناساً خلت حياتهم من المرح والتسلية وأضحت حياتهم مكتظة بالاعمال والجلوس على مدار الساعة متسمرين على شبكات التواصل الاجتماعي التي قتلت كل شيئ جميل
آراؤهم مشتتة وأحيانا مرتبكة ومتضاربة و التفكير أرهق عقولهم ، فباتوا الأشقياء ، فلا أمل ولا ابتسامة ولا سلامة نفسية
ضاعت أعمارهم وشاخت أرواحهم ، حتى كدنا لا نصدق كيف غرقوا في وحل تعقيدات الحياة
لن يمنحك اليأس الراحة والسلام والسكينة
بل ستغرق في القلق والخوف والضيق والتكالب على الدنيا والسخط وعدم الرضا والقناعة بنعم الله عليك وهذا بعيداً عن الإيمان والاستسلام لله والرضوخ لمقاديره.
ونتساءل:
لماذا عاش أجدادنا براحة البال والسكينة ؟
ولماذا أصبحت حياتنا مليئة بالعثرات
وبكافة وجوه التعقيد ؟
كان أجدادنا يعيشون الحياة ببساطتها ورونقها وجمالها ، وكانوا يرضون بأي صنف من أصناف الطعام
طعام يسد رمقهم ، أما نحن اليوم في ظل الحياة المعقدة يحتار فيما يأكل وأين يأكل! حيث تضاعفت أماكن تقديم الطعام وتعاظم التنافس فيما بينها على تقديم أشكال معقدة من الأصناف وتكالبت علينا فضائيات السفرة ووجبات الطعام الخالية من البركة أٌستنزفت طاقاتنا أمام تعقيدات الحياة وأٌجارنا على الاختيار والتفكير السريع في البدائل والاحتمالات المتاحة والمتنوعة، ولو تمعنا قليلاً فإن معظم إجهاد العقل يومياً يأتي من هذه الناحية فالخيارات جزلة في كل شيء وهذا من شأنه أن يجهد العقل ويثقل كاهله بينما لو قمت بتحديد بعض الأمور وجعلها أكثر سهولة وبساطة لوفرت جهد العقل وقوة تركيزه على الأمور الأكثر أهمية!
أن ثقافة الاكتفاء في مناحي حياتنا شيئ عظيم دائماً لنكبح جماح نفوسنا وأهواءها وتغافلنا عن قول رب العالمين
أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ” وهي جملة تعبر عن الاعجاز القرآني في اختزال المعنى نعم الهانا التكاثر عن ديننا ،و أخلاقنا ،وعن أبنائنا ، وعن بيوتنا
لقد طالت تعقيدات الحديثة العلاقات الاجتماعية وأصبحت نظرية المؤامرة تهيمن على كل مناحي حياتنا حتى غدت العلاقات الإنسانية غير مفهومة وعلى نحو مخيف !!!!
فلا صداقات حقيقية ولا علاقات أسرية ثابتة، فالعلاقات أصبحت هشة
أتدرون لماذا ؟
لأن سياسة البدائل البشعة حلت محل الحب والاحترام والتقدير و لم يعد الإنسان يفكر بأخيه ومدى احتياجه إليه فمقدار حاجة الانسان للآخر أصبحت تختزل على المصلحة والفائدة، أما القيم الأخرى وحسن التعامل والوفاء لم يعد يشغل بال أحد
الحياة جميلة
رسخوا الأمل
وغادروا مربع اليأس والقنوط
فلا معنى للحياة بدون أمل وحب وعطاء وخير
ويبقى الحديث دائما خارج أسوار السياسة
جلال نشوان. الكاتب الصحفي
الهيئة العامة للاعلام
٣مايو/2024