إن اكتساب الثقافة هو عملية تتأثر بعوامل متعددة، بما في ذلك البيئة والجينات. الثقافة تشمل المعتقدات والقيم والعادات والتقاليد التي يتم تمريرها من جيل إلى آخر، وتشكل جزءًا هامًا من هويتنا وتحدد سلوكنا وتفكيرنا.
تبدأ عملية اكتساب الثقافة منذ الولادة، حيث يتعلم الأفراد من حولهم المعتقدات والقيم والممارسات التي تميز ثقافتهم المجتمعية. وفي هذه العملية، يلعب التفاعل بين البيئة والجينات دورًا حاسمًا.
من الناحية البيئية، تؤثر العوامل الاجتماعية والثقافية المحيطة بالفرد بشكل كبير على اكتسابه للثقافة. يتعلم الأفراد من خلال التفاعل مع أفراد المجتمع والعائلة والأصدقاء والمدرسة ووسائل الإعلام والتكنولوجيا. يتم تمرير المعرفة والقيم والتصورات الثقافية من جيل إلى جيل من خلال الاتصال الاجتماعي والتواصل.
على سبيل المثال، يتعلم الأطفال اللغة والعادات والتقاليد الثقافية من خلال التفاعل مع أفراد الأسرة والمجتمع المحلي. يتم تعزيز هذه العملية من خلال التربية والتعليم والتجارب الاجتماعية التي يخوضونها. وتلعب الوسائل الإعلامية والتكنولوجيا الحديثة دورًا مهمًا في نقل المعرفة والثقافة من خلال وسائل الاتصال المختلفة.
من الناحية الجينية، يؤثر التراث الوراثي للفرد على قدرته على استيعاب واكتساب الثقافة. البشر يحملون جينات محددة تؤثر في نمو الدماغ والقدرات العقلية والتفاعل الاجتماعي. هذه الجينات قد تؤثر على القدرة على اكتساب اللغة والاستيعاب الثقافي والتفكير والتعلم.
ومع ذلك، يجب أن نلاحظ أن الجينات ليست العامل الوحيد الذي يحدد قدرة الفرد على اكتساب الثقافة. فالبيئة الاجتماعية والتربوية والثقافية تلعب دورًا حاسمًا في تشكيل سلوك الفرد ومعرفته.
بالتالتالي، يمكن أن يكون هناك تفاعل متبادل بين البيئة والجينات. فعلى سبيل المثال، يمكن أن تؤثر البيئة الاجتماعية والتعليمية على تفعيل بعض الجينات المرتبطة بقدرات معينة، وبالتالي تعزيز قدرة الفرد على اكتساب الثقافة في تلك المجالات.
علاوة على ذلك، يمكن أن تؤثر الجينات أيضًا على تفضيلات الفرد واختياراته الثقافية. فقد تكون هناك بعض السمات الوراثية التي تجعل الفرد يميل إلى تفضيل بعض الثقافات أو الأنشطة على الأخرى.
مع ذلك، يجب أن نؤكد على أن البيئة والجينات ليستا عوامل معزولة بذاتها، بل إنهما تتفاعلان مع بعضهما البعض وتتأثران بالعوامل الأخرى. فالتراث الثقافي الذي يتم تمريره من جيل إلى جيل يتأثر بالبيئة التي يتطور فيها وبالتغيرات الاجتماعية والتكنولوجية، وكذلك بالتغيرات الوراثية التي يحدثها التطور البيولوجي.
وختاما يمكن القول إن تأثير البيئة والجينات على اكتساب الثقافة هو تفاعل معقد ومتعدد الأبعاد. لا يمكن تقليل دور أيٍ منهما، فكل منهما يسهم في تشكيل هويتنا وسلوكنا الثقافي، ويجب أن نأخذهما في الاعتبار عند دراسة وفهم الثقافة وتطورها.
الدكتور زبير بيربيرو