علم الاقتصاد السياسي
علمٌ يبحث في ثورة الشعوب والأسباب التي تجعل مرتبة أمَّةٍ فوق مرتبة أمَّةٍ أخرى في السعادة والرفاهية
هو علمٌ يبحث في ثورة الشعوب والأسباب التي تجعل مرتبة أمَّةٍ فوق مرتبة أمَّةٍ أخرى في السعادة والرفاهية، والغرض منه الإرشاد إلى ما ينبغي القيام به؛ لتقليل عدد الفقراء والمساكين بقدر الطاقة، وإيقاف كلِّ واحدٍ على الوسائل التي توصله إلى اقتطاف ثمار عمله. ولا مراء في أنه توجد علومٌ أخرى ترمي إلى هذه الغاية بعينها كعلم الآلات؛ إذ بواسطته نهتدي إلى الحصول على القوة وكيفية التصرف فيها بما يساعد على إبراز نتائج الأعمال.
وعلم الكيمياء الذي نعرف به ماهية الجواهر النافعة الصالحة، وكيفية استخراج الألوان الزاهية، والصبغات الباهية، والأعطار الزكية، والزيوت النافعة من البقايا الكريهة الرائحة التي تتخلف من عمل الغاز، وعلم الفلك، ومن أهم منافعه الاهتداء على متن البحار والأقيانوسات وعلم طبقات الأرض، ويرشدنا إلى البحث عن الفحم الحجري واستخراج المعادن.
وليست هذه العلوم فقط ضروريةً لتقدم الإنسان وترقية شأنه وتحقيق سعادته، بل إن هناك علومًا اجتماعيةً أخرى ترجع إلى هذا الغرض كعلوم الحقوق مثلًا، فإنها تبحث عن الحق الشرعي لبني الإنسان، وعن الطريقة التي يحدد بها هذا الحق، وتكفله قوانين عادلة، وكذا علم الفلسفة السياسية؛ فإن القصد منه معرفة النظامات المختلفة للحكومة، ومزايا كل نظامٍ منها بالنسبة للآخر، وكذا علم الطب؛ فإنه يبحث عن أسباب المرض وعلل العاهات، وكذا علم الإحصاء؛ فإنه يحوي جميع الحوادث والأمور المتعلقة بمملكةٍ بأكملها أو بجزءٍ منها، فهذه العلوم كلها تهدينا إلى صراط الثروة والنعيم والعقل.
ولئن كان الغرض من هذه العلوم كلها هو عين الغرض من علم الاقتصاد السياسي، غير أن هذا العلم يمتاز عنها من جهة أنه يبحث في الثروة من حيث هي، وطرق التصرف فيها على الوجه الأحسن، وكيفية الاستفادة من العلوم الأخرى لاكتسابها. ومن الناس مَنْ يسيء الاعتقاد في علم الاقتصاد السياسي؛ لأنه يبحث في الثروة فقط من حيث هي، ويقولون: إن ثَمَّةَ أمورًا أَحرى من الثروة بالبحث والدراسة كالفضيلة والمحبة والكرم، ويودون لو تكون أبحاث العلماء قاصرة على هذه الأمور دون الثروة، مستندين على أن الإنسان في وسعه أن يُثري ويصير ذا سعةٍ بالحذق والمهارة في الأخذ والعطاء واكتناز نقوده كما يفعل البخيل الحريص على ماله، وحيث كان الأحسن والأولى هو صرف النقود في مصلحة الأهل والأقارب والخلَّان والجمهور على العموم، فقد ذهب فريقٌ إلى الطعن في مبادئ الاقتصاد السياسي. ونحن إذا تأملنا في حقيقة هذا العلم نجد أن لا محل لهذه المطاعن، ولا لاعتراضات المعترض عليه بقولٍ من تلك الأقاويل؛ إذ إنه قد غاب عن ذهنه أن الواجب أن يكون موضوع بحث أي علمٍ من العلوم شيئًا واحدًا، وأنه لا يمكن تلقينه جملة علومٍ اجتماعيةٍ كرة واحدة لإيقافه على حقيقة الغرض من ذلك الموضوع، وبديهيٌّ أنه لا يصح التنديد بعلم الفلك مثلًا لأن موضوعه دراسة الكواكب فقط، أو بالرياضيات لأن موضوعها الكمية والأعداد لا غير، وإلَّا اضطر المبتدئ لأجل الوقوف على هذه العلوم إلى درسها في مؤلفٍ ابتدائيٍّ يشمل معًا علوم الفلك، وطبقات الأرض، والكيمياء، والطبيعة، والفسيولوجيا … إلخ، وهو محالٌ. وكما أنه يوجد عدة علومٍ طبيعيةٍ ينبغي دراستها منفردةً عن بعضها، كذلك يوجد عدة علومٍ اجتماعية، لكلٍّ منها بحثٌ مخصوصٌ هو الغرض المقصود بالذات منها، وليست مباحث متعددةً يكون الكلام عليها مجملًا.
دسعيد ولد عربية