بسم الله الرحمن الرحيم” “قاتل القات: آلام وأحلام مهدورة
في بلاد الجمال# الأراضي تنبض بالحياة#حلّ القات كغيمة قاتمة أظلمت الأفق
د. هائل العبيدي
في بلاد الجمال، حيث كانت الأراضي تنبض بالحياة، حلّ القات كغيمة قاتمة أظلمت الأفق. تحوّلت الأراضي الزراعية إلى حقول قاحلة، حيث أُهملت المحاصيل الأساسية، ومن بينها شجرة البن التي كانت تُعتبر رمزًا للهوية اليمنية. كانت مزارع البن تُنتج أفضل أنواع القهوة في العالم، لكن القات أخذ مكانها، وأصبح هو المحور الذي يدور حوله الكثير من حياة الناس. أصابت هذه النبتة الخبيثة الكثير من الأجساد بالأمراض، فباتت ملامح الوجه شاحبة، وتجاعيد الزمن تطرز الوجوه الشابة. أُصيب الكثير بالتقزم، لم تعد قاماتهم تعكس عظمة هذا البلد، بل أظهرت انكسارًا وخضوعًا لسلطة الإدمان. إضافةً إلى ذلك، انتشر تعاطي الشمة، تلك المادة التي تُستخدم مع القات، مما زاد من تفاقم الأعراض الجانبية وأثرها المدمر على الصحة العقلية والجسدية. الذكور والإناث، بل حتى الأطفال وكبار السن، وقعوا في فخ التعاطي، فتساقطت الأسنان كأوراق الشجر في الخريف، ورسمت التجاعيد على الوجوه التي كانت تُشعّ بالبشاشة. الأمراض النفسية انتشرت كالنار في الهشيم، وأصبح القات والشمة سببًا في تفشي السرقات والرشوة، حيث بات الناس يتقاتلون للحصول على ثمن هذه النبتة المدمرة. ترك الرجال نساءهم وأطفالهم، عاكفين في مجالس القات، ضائعين بين حكايات وأحاديث لا تُغني ولا تُسمن من جوع. المغترب اليمني، الذي قضى سنوات من الكد والعمل في بلاد الغربة، يعود محملاً بالأحلام، لكنه يجد نفسه يهدر ما جمعه في مجالس القات، وكأن تعب السنين لم يكن له قيمة. تدمير العلاقات الأسرية كان جزءًا من العواقب، فطلق الكثير من الرجال نساءهم بسبب انشغالهم بالقات، تاركين خلفهم قلوبًا محطمة وأطفالًا بلا مأوى. القتال والمشاكل أصبحت جزءًا من الحياة اليومية، حيث غابت قيم الحب والتسامح، وظهرت بدلاً منها ثقافة العنف والصراع. أهمل الناس صحتهم، فاستبدلوا الوجبات الصحية بساعات من التخزين القاتل. لم يقتصر الأمر على القات والشمة، بل أضيفت إليهما السجائر والشيشة، مما زاد من معاناتهم. ضاعت الأوقات في جلسات خالية من الإنتاجية، حيث سهروا الليل وناموا النهار، بينما كان بإمكانهم بناء مستقبل أفضل لأبنائهم. ومع مرور الزمن، أصبح الشعب اليمني من أكثر الشعوب التي تنتشر فيها حالات الجنون، حيث أثرت العادات السلبية، بما في ذلك القات والشمة، على العقول وأدت إلى تفشي الأمراض النفسية. ما الذي تبقى من أحلامهم؟ كانت شجرة البن رمزًا للثراء والجمال، لكنها الآن تُركت لتذبل، بينما نمت شجرة القات لتستحوذ على الأراضي والقلوب. قال الله تعالى عن اليمن: “بلدة طيبة ورب غفور”، لكن الجيل الحديث أهدر كل ذلك، تاركًا وراءه أثرًا من الفوضى والانكسار. أصبح القات رمزًا للفشل، ولكنه ليس النهاية. يجب أن نستعيد وعي الناس، لنعود إلى زراعة البن، وإنتاج الغذاء الصحي، ونبني مجتمعات قائمة على الحب والتعاون. لنكن صوتًا لمن لا صوت لهم، ونحارب هذه الآفة التي دمرت الكثير. الوقت قد حان لنستعيد هويتنا، ونستثمر في مستقبل مشرق لأجيالنا القادمة، حيث يمكن أن نستعيد الفخر ونعيد بناء ما تهدم. لنزرع شجرة البن مجددًا، ونستعيد التراث الذي يميزنا، ونحوّل مزارعنا إلى جنة من الخضرة والإنتاج.