مقالات منوعة

أصـــــــــداء العــــــــزلــــــــة في عـــــالــــم مكسور:

في زوايا الروح المنعزلة#حيث تتلاشى أصداء الحياة الاجتماعية،

أ. عامر مروان 

في زوايا الروح المنعزلة، حيث تتلاشى أصداء الحياة الاجتماعية، يجد المرء نفسه أمام حقيقة قاسية: إن الحياة العقلية والوجدانية للآخرين هي بمثابة هبوط في هاوية سحيقة، حيث يتجمع الضعف والعجز ليصنعوا مشهداً يعجز عن تحمله أي قلب نقي. فلا مكان هنا للجمال أو للخير، بل أشلاءٌ من بقايا البشر الذين تآكلت أفكارهم قبل أن تشتعل، وتكسرت عزائمهم في محطات اليأس. ما يراه الناظر إلى العالم من حوله هو مجرد مسرح للرتابة اليومية، تشوهه العقول الممسوسة بالنقص، والنفوس المكسورة التي لا تجيد سوى إطفاء بريق الأمل. هؤلاء البشر، الذين يشبهون الظلال أكثر من كونهم كيانات حية، يفرضون على أنفسهم وهم التواصل، بينما هم في عمقهم لا يملكون إلا سلب الحياة من بعضها البعض. فكيف يمكن لمن يعيش بين أوساطهم أن ينجو من الاغتراب؟ وكيف تُحتمل كلماتهم الفارغة وأفعالهم التي تتنقل بين الصمت والمجاملات الرخيصة؟ العزلة تصبح هنا الخيار الوحيد، ملاذاً من سخط العالم وفساده. فبداخل هذه الفجوة السوداوية، يكتشف المرء معاناة عميقة وأشبه بالانفصال عن روح البشر، حيث يصبح الاختلاط بالأفراد كالسير فوق رماد ملتهب، يغزو الوجدان بآلام ماضية تتجدد في كل لقاء. في لحظات العزلة الحقيقية، قد يكتشف الإنسان كم هو غريب عن محيطه، وكم أنه قد فشل في فهم الغاية من وجوده وسط هذا الجموح اللامتناهي للعقول المكسورة. والعزلة هنا ليست هروباً بقدر ما هي لحظة من الغرق في عمق الذات، حيث يصبح المرء غير قادر على التفريق بين الحقيقة والوهم، بين الذات والعالم، وتختلط الفكرة بالألم، وتغيب الحدود بين ما هو ممكن وما هو مستحيل. تظل العزلة في النهاية، سيدة لا تجادل.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى