كتب الإعلامي أحمد قاسم : لا يوجد شيء لفت نظري في “صيدنايا” مثل صورة “المكبس الآلي”
الإعلامي : احمد قاسم# النظام السوري كان "نازيا"# نظرته للإنسان
كتب الإعلامي أحمد قاسم :
لا يوجد شيء لفت نظري في “صيدنايا” مثل صورة “المكبس الآلي” في غرف الإعدامات، هذا التعامل “التقني” مع “الجثة” باعتبارها جزء من دورة التخلص من “النفايات”، وطريقة علمية لتوفير الوقت والجهد..
النظام السوري كان “نازيا” بشكل كبير في نظرته للإنسان، كان مشروع الدولة الإله حاضرا بشكل كبير، لا يتم التعامل مع الإنسان في الدولة الأسدية إلا من خلال “صلاحيته” للوجود من وجهة نظر النظام..
في حال كان الإنسان “معاديا” يصبح غير صالح للوجود، لأنه ضد الدولة الإله، وبالتالي يصبح مجرد “نفايات بشرية” يجب التخلص منها عبر آلية محكمة، وهكذا يمكن النظر لـ”صيدنايا” على أنه مدخل رئيسي لفهم النظام السوري..
هي دولة ترى “البشر” عبئا، وأن عليهم إثبات أنهم يستحقون العيش، لأن الأصل فيهم الفناء، وبالتالي كان الإنسان السوري، يحاول دوما إثبات ولاءه، وعدم السؤال عن الكرامة أو حق الرفاه والعيش، لأن الدولة “مشكورة” سمحت له بالحياة، وأنها إذا سمحت له بأكثر من ذلك فهذا يستدعي مزيدا من السخاء والعبودية..
كذلك يمكن فهم “عظمة” الثورة السورية، لأنها قامت بوجه هذا الخوف، المحقق وليس الوهمي، فاحتمال أن تثور، هو احتمال أن تكون في صيدنايا أو غيرها، أو تموت محروقا ببرميل متفجر، أو مقطعا كأجزاء بشرية بالكيلو، وتدفن للتخلص منك كنفايات..
الجسد البشري في نظر النظام السوري، هو حمولة بالطن، وموضوع للمحرقة والكبس، والبشر في نظره هو موضوع لإعادة التدوير..
صحيح أن “النظام قمعي”، لكن التفكير الخاص بنظام قمعي “أقلوي” يؤمن بأنه محاصر بالخوف دوما من أكثرية لها الحق في أن تكون مكانه، ولها القدرة في حال استفاقت أن تحكم.. يجعله يرى صناعة الخوف ضرورة لذاتها وليس للمواجهة..
أي أن النظام “العلوي” كان يرى ضرورة خلق منظومة “النفايات البشرية” هذه لأجل يخلق شرعيته الوحيدة، فهذه الدولة لم يكن هدفها صناعة رفاه اقتصادي لخلق شرعية، لأن هذه بالضرورة سيخلق فئات قوية من غير الدولة، وليس هدفه صناعة شرعية دينية لأنها مغايرة لمساره الأقلوي، وليس هدفه صناعة شرعية سياسية لأنها ستقصيه.. وإنما الخوف والخوف فقط هو السبيل..
ولصناعته، يجب أن يدخل يوميا عدد معين كحد أدنى السجون، بأي تهمة ولأي سبب، لأن السجون ليس وظيفتها الضبط القانوني والاجتماعي للجريمة، بل الهندسة النفسية بالخوف، وكذلك يجب أن يخرج منه عدد يومي بالكبس والشنق والإعدام الميداني..
وبهذا تصبح فكرة مجرد “العيش الذليل” في سوريا الخوف، هي هبة من النظام والسماء، ويصبح التسبيح بحمد النظام ضرورة للوجود وليس فرصة للتسلق وجلب العوائد، ويصبح التعاطي مع “الإذلال اليومي” نعمة بديلة عن الغرق في غياهب الجب المجهول..
كان النظام “يستمتع” بفكرة، أن لا يعرف أحد مكانك، أو أن يصدر لك شهادة وفاة وأنت على قيد الحياة، لتكمل حياتك وأنت مدرك أن وجودك لا قيمة له سوى أن تلتقط كل نفس داخل مسار العذاب والعدمية التي تتمنى أن تنتهي بإعدامك..
هذا ليس نظاما سياسيا مستبدا.. هذا أقذر ما يمكن للبشرية أن تصله.. هذا إن قلنا أنها ما زالت بشرية.
المصدر :
الإعلامي أحمد قاسم