بقلم: الدكتورة لميس الرفاعي
يتفق المعنى الاصطلاحي للسرقات الأدبية بالمعنى اللغوي لكلمة سرقة، فيدل كل منهما على الفعل ذاته، أي الأخذ، بيد أن السرقات الأدبية اختلفت بماهية الشيء المسروق، إذ يُقصد بهذا النوع أخذ كلام الغير سواء أكان الأخذ لفظًا أو معنى، وهو أن يعمد الشاعر إلى الأخذ من أبيات شاعر آخر، فإما أن يأخذ معانيها أو ألفاظها، أو صورًا خاصة ابتدعها الشاعر في قصيدته ومن ثم يُنسبها له، وشبيه ذلك انتزاع الفكرة من صاحبها ومُبدعها دون الإشارة له، وذلك الواقع من السرقات انتشر على مختلف الأزمنة والعصور بين الشعراء، إذ كانوا منذ القديم يأخذون بخواطر بعضهم، والبعض الآخر من المتأخرين كانوا يأخذون من المتقدمين بحكم المطالعة والرواية، والتأثر والإعجاب.تحدّث الكثير من النقاد حول تأصيل الصورة النقديّة، إذ مثّلت السرقات الأدبيّة موقفًا بارزًا توغل به الأدباء والنقاد، فقاموا بدراسة أشعار الشعراء لبيان موضع السرقة، ولكنه في بعض الأحيان عُد مفهوم السرقات الأدبية بأنه صورة أخرى لظاهرة التأثر والتأثير، وهنا لا يُعد الشاعر سارقًا وإنما متأثرًا، وذلك لأنّ كلا الظاهرتين تُطلق على الأخذ أو صورة النقل أو التقليد ، وبذلك تطوّر مفهوم السرقة؛ إذ كان المفهوم الأول يعتمد على السرقة المادية التي تسلب الحقوق من الأفراد، ولكن بعد تطور الفكر الإنساني وارتقاء الحياة الحضاريّة تطوّر هذا المفهوم وأصبح له مدلولات أخرى، إذ تناول المعنويات، وأصبحت الأفكار والمعاني والألفاظ هي أشياء قابلة للسطو والسرقة والسلب.
تاريخ السرقات الأدبية كيف حاول الشعراء أن يتخلصوا من السرقات الشعرية في أشعارهم؟
إنّ السرقة الأدبية بمعناها العام هي ظاهرة قديمة منذ تاريخ الفكر الإنساني، إذ وُجدت منذ عهد قديم جدًا عند اليونان والرومان، كما أشار إليها أرسطو وإلى أنواعها المتعددة، ويعود السبب إلى هذا الانتشار منذ العصور القديمة هو عدم وجود قوانين تحفظ النشر والتأليف كما في العصر الحديث، وقد جاءت فكرة السرقات مع الشعر العربي القديم، فهناك الكثير من الرواة كانوا قد أشاروا إلى العديد من الأشكال المتنوعة للسرقات الشعريّة الحاصلة بين شعراء العصر الجاهلي، كالسرقات التي كانت بين امرئ القيس وطرفة بن العبد، فكثيرًا ما أخذ أبيات امرئ القيس وغيّر بأشياء يسيرة كالقافية والألفاظ القصيرة .
.تطوّر تاريخ السرقات الأدبيّة وأصبحت أكثر شيوعًا في عصر صدر الإسلام، إذ أصبحت أمرًا غير خفي بين الشعراء، ولعل الأمر الذي أسهم بذلك هو أن الشعر في العصر الإسلامي كان يعتمد على الرواية وعلى اجتماع الرواة والشعراء في الأسواق والمجالس العامة، فأصبحت السرقة أمرًا منتشرًا لا خلاف فيه ، أما في العصر الأموي، فقد اتسع مجال الشعر، إذ كثرت الانقسامات السياسية والقبليّة، وذلك أسهم بزيادة السرقات الأدبيّة، إذ واجه أشهر الشعراء تهمة السرقة في أكثر من موطن ومنهم الكميت فاستفحل أمر السرقات الأدبية في هذا العصر، فأصبحت ظاهرة متعارفًا عليها، والذي ساعد على انتشارها هي كثرة الشعراء الذين ينتمون إلى أحزاب سياسية تقاتل بعضها، إضافة إلى وجود شعر النقائض. اتسعت دائرة السرقات كثيرّا في العصر العباسي، إذ أثارت السرقات حركة نقدية ضخمة، أُلفت فيها الكثير من الكتب، وذكر البعض أن السرقات في العصر العباسي كان فيها نوع من المبالغة، فظهر ما يسمى بالمبالغة في ادّعاء السرقة وانتشرت هذه الظاهرة بين العديد من الشعراء، وبدأت السرقات في هذا العصر بالتنوع، فلم تقتصر على الشعر فقط بل توزعت على الأمثال والأقوال، وعلى القرآن الكريم والأحاديث النبويّة الشريفة
ورغم التاريخ الطويل للسرقات الأدبيّة إلا أن بعض شعراء العصر الجاهلي كانوا قد تنبهوا إلى السرقة، فحاولوا أن يخلصوا أشعارهم منها، إذ كانوا يتفاخرون بالابتعاد عن هذا العيب مثال ذلك قول طرفة بن العبد: وَلا أُغيرُ عَلى الأَشعارِ أَسرِقُها عَنها غَنيتُ وَشَرُّ الناسِ مَن سَرقا وَإِنَّ أَحسَنَ بَيتٍ أَنتَ قائِلُهُ بَيتٌ يُقالُ إِذا أَنشَدتَهُ صَدَقا .
كتب عن السرقات الأدبية كيف اعتنى النقاد بالسرقات الأدبية؟
اعتنى الكثير من النقاد والأدباء بظاهرة السرقات الشعريّة، فالبعض منهم ألّفوا كتبًا خاصة تدور حول هذا الموضوع، والبعض الآخر تحدّث عنها ضمن مؤلفاته العامة، ولعل من أبرز هذه الكتب هي: الشعر والشعراء لابن قتيبة: يعرض هذا الكتاب ظاهرة السرقات الشعرية في أكثر من موضع، إذ تنبه في هذه المواضع إلى بعض الأنواع الخاصة بالسرقات، كالسرقة الخافية، وإلى السرقة عن طريق زيادة الأخذ على المعنى المأخوذ، كما أشار إلى سرقة الألفاظ في مواضع عدة أشعار القدماء.
مشكلة السرقات في النقد الأدبي لمحمد هدارة:
عبارة عن دراسة تحليلية مقارنة للكثير من الأعمال الأدبية التي حوت على السرقات الشعرية والتناص، وعرض الكتاب مختلف الدراسات التي تتصل بالنقد والبلاغة، وفي المقدمة عرض الكتاب لتاريخ السرقات الأدبية ومفهومها، وبعض المعلومات التي تتعلق بها.
السرقات الأدبية لبدوي طبانة:
يدرس هذا الكتاب بعض الأعمال الأدبية وأنواع تقليدها، فبدأ الكتاب بمقدمة عرضت أهمية دراسة السرقات الشعرية في النقد، كما أضاف الكاتب وعرض لمنهج دراسته والذي هو منهج تطبيقي عملي، عرض به لأهم السرقات الأدبية، فوضّح مفهومها وأنواعها وتاريخها.
.السرقات الأدبية كانت منتشرة منذ العصر القديم، وهي ليست بالشيء المنبوذ، وإنما أصبحت فنًا نقديًا قائمًا بذاته من خلال تسميته في العصر الحديث بالتناص.