منذ أسبوع أو أسبوعين ألاحظ في المنطقة التي أعمل بها رجل كبير في السن يجلس على الرصيف ممتليء الجسم شعره أبيض وجهه يميل إلي الحُمرة وبجانبه زجاجة من الماء أو زجاجتين وحقيبة بلاستيكية وبجوارهما آثار استخدام أحدهما في غسيل وجهه أو شيئا ما ، أدركت أنه لا يستطيع التحرك إلا بصعوبة ،نظرت إليه قفز إلى قلبي إحساس عميق أن هذا الرجل لم يكن كذلك ولابد له من عائلة وربما يكون من عائلة كبيرة ولكن تدهورت أحواله ،لا أدري لماذا أحسست بالشفقة تجاهه بعكس الكثير من الممثلين الذين يدّعون التسول ، اقتربت منه وساعدته بما استطيع ونظر لي نظرة عميقة وقال شيئاً لم اسمعه جيداً ولكن يبدو أنه كان شيئاً جيداً لأن عينه كانت تتحدث ، هذا الرجل أثار ما يدور في ذهني منذ الطفولة عن توزيع الأدوار ، مثل ذلك الرجل تماماً وفي سِنه وهيئته نراه في التلفاز يتكلم عن المليارات ويتحكم في مصير الكثير من الناس ، هذا في الشارع لا يجد ما يأكله وتوأمه في التلفاز لو أكل باقي حياته مالاً ما نفذ ماله ولابد أن لذلك حكمة إلهية لا يعلمها إلا الله . فربما هذا الرجل الذي يجلس على الرصيف يدخر الله له سعادته في الآخرة وهو أثقل عند الله بعمله ، وهذا الذي يتهافت الناس على مجاملته في التلفاز ربما لا يزن عند الله شيئاً ، وتخيل أنك رأيت الرجلين يوم القيامة من أي منهما ستقترب ؟ لا شك أنك ستقترب من هذا الرجل البسيط ، إذا اخترت أن تشعر بالأُنس والأُلفة هل ستفتخر بأنك كنت تشاهد الرجل الذي كان يخرج عليك متفاخراً بما لديه من كذا وكذا وكذا… بل ويستعمل قدراته في جلب كل ما هو خارج ، أم ستشعر بالاُلفة مع هذا الرجل البسيط ذات القلب النظيف الذي يجلس على الرصيف؟
الهيئة العامة للثقافة والفنون والآثار.أ. محمد الشريف