مقالات منوعة

تنمية مستدامة وكوكب اخضر

رماز الأعرج , في (الصحراء , شعوب ورمال)

تنمية مستدامة وكوكب اخضر
رماز الأعرج , في (الصحراء , شعوب ورمال)

أ : الاقتصاد والبادية حول العالم :
حين يعيش البشر كجماعات ظروف متشابهة يشكل ذلك قاسم مشترك بينها ويعطيها الكثير من الصفات المشتركة رغم أنها قد لا تتقابل أبدا , وكما هو مثبت في العلوم الاجتماعية التاريخية والفلسفية أن الوعي الاجتماعي يحدده الوجود الاجتماعي ,

أن والواقع الاجتماعي هو من يحدد الوعي الاجتماعي , بدليل أن الطفل يتعلم لغة القوم الذي يعيش بينهم ويكتسب سلوكهم وثقافتهم , حتى ولو كان ليس منهم إطلاقا من حيث الجنات والدم والميلاد , وكل إنسان يكتسب اللغة والثقافة التي يولد بها وهي من تشكل وعيه الاجتماعي كانسان عاقل ومثقف .

بناء على فهم القوانين الاجتماعية العامة للمجتمع البشري يمكننا تحديد وفهم نوعية و طبيعة الثقافة الإنسانية المرصودة للبحث , والواقع المشترك بين حياة سكان البادية يعطيهم الكثير من الصفات المشتركة والمتشابهة , يبدأ هذا التشابه من أساس قاعدي هام وهو العوامل الاقتصادية و المناخية والجغرافية , بحيث يشكل هذا الواقع المادي الكثير من العادات والسلوك المشترك حتما.

شكل اقتصاد البادية ما يقارب 50 % من الاقتصاد الغذائي السكاني تقريبا , نهيك عن الجلود والصوف وغيرها من منتجات القطعان , عدى عن الحوم والحليب كمادة غذائية هامة وأساسية , ولذلك لم يقل المجتمع الرعوي البدوي أهمية عن المجتمعات الزراعية والحرفية الأخرى , وعرف نظام البادية المجتمعي الرعوي منذ القديم كما اشرنا سابق بحيث كان أول تقسم طبيعي للعمل هو التقسيم بين المرأة الرجل .

الرجال تذهب إلى الصيد والنساء تهتم برعاية الأطفال وبجمع الثمار و الجذور الصالحة للأكل , وتبع ذلك اكتشاف الزراعة بحيث كانت النساء هي الأكثر اعتناء بالزراعة الأولية بحكم هذا التقسيم الطبيعي للعمل , وتوفير الغذاء , بحيث المرأة مضطرة لمراعاة ظروف الحمل ورعاية الصغار , بينما الرجل أكثر حرية و أكثر قابلة للقيام بعملية الصيد , ولو غاب كل اليوم او أكثر بشكل دائم لن يؤثر ذلك على مسار المجتمع المحلي الصغير الذي كان يعتمد في إدارته و الحفاظ على وجوده على المرأة بشكل أساسي .

وهذا الحال والنموذج المذكور ما زال لدينا منه أمثلة حية شاهدة على ذلك في بعض مناطق العالم بحيث هناك قبائل ما زالت تعيش على الصيد وما تجمعه النساء من ثمر , وهي قبائل يرجع تاريخ البعض منها إلى ما يزيد عن أربعين ألف عام , وبقي شيء منها في بعض الجيوب في أفريقيا والأمازون وفي بعض الأصقاع النائية الأخرى من العالم .

ولكن في الاقتصاد البدوي ظهر شيء آخر مختلف عن التقسيم الطبيعي للعمل , بحيث ظهر لدينا أول تقسيم اجتماعي للعمل بين قبائل مستقرة ومحترفة الزراعة كوسيلة للعيش , وقبائل ترعا المواشي , بدل أن تصيد الحيوانات لتحصل على البروتين كمادة أساسية غذائية للمجتمع البشري بشكل عام , و ما يمكن استخدامه من الجلود الفراء , أدت هذه الأهمية الاقتصادية إلى أهمية اجتماعية وسياسية للاقتصاد البدوي .

شكلت حيات البادية جسد الإنسان البدوي و شخصية ومجتمعه وثقافته , وتشكلت معها قدرته وصبره على احتمال ظروف البوادي القاسية الجفاف و القر , كما حافظت تلك المجتمعات على نظامها وسلالتها وثقافتها , وكانت بشكل عام أكثر أصالة وحفاظ على نفسها وأصالتها من ما هو حاصل مع المدن التي تغيرت حياة أهلها وحالهم وأصبحوا في نوع من رغدة الحياة أمام حياة البادية القاسية .

لم تعرف تلك المجتمعات الكثير من الحرف وبقي اعتمادها الأساسي في إنتاج الكثير من حاجاتها الأساسية المحلية الضرورية لمعيشتها , مثل غزل الصوف ونسج بيوت الشعر من وبر الجمال وشعر الماعز وغيرها ونشج الحبال , وصناعة بعض الأدوات الضرورية لاستعمال البادية .

لم تنتج البادية تلك المنتجات للتسويق كما في حال الخراف واللبن والصوف والجلود وغيره من إنتاج القطعان , بل كان غالبية إنتاجها هذا في الأصل هو لاستعمالها وحاجتها هي الاستهلاكية المباشرة , وذلك بحكم ظروف حياتها الغير مستقرة المرتحلة التي لا تحتمل كثرة المواد والعتاد في السفر الشبه المستدام تقريبا .

وكانت المرأة البدوية هي الأساس في الحفاظ على هذه الحرف والمنتجات الحرفية الحساسة , مثل غزل الصوف ونسج بيت الشعر , وفي إيران وبعض المناطق في وسط وشرق آسيا تنسجن النساء البدويات السجاد أيضا ويصنعن البسط و لفرش للأرض , وكذلك أعمال التطريز والزخرفة , وتزيين المنزل وترميم وتصليح ما يتلف من نسيجه بحكم عوامل الطبيعة التعرض للريح والشد الدائم وغيره .

لم تعمل المرأة البدوية في الأرض والزراعة كما في حال القبائل الزراعية , ولكنها عملت في الكثير من الأعمال منها الرعي ومنها الاعتناء الحيوانات التي تصاب او تبقى في المضارب , وكذلك الأمر في حلب القطعان وتصنيع لبنها والطهي وجلب الحطب والماء وغسل الثياب وغيرها من الأعمال المنزلية , بالإضافة إلى كل ما سلف ذكره من أعمال يدوية وحرفية ومهارات وتربية أطفال وغيره.
تم

مملكة اطلانتس الجديدة , ارض الحكمة

الدكتور  الفيلسوف ريماز الاعرج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى