مقالات منوعة

الإنسان المتكامل،، أ. همام حسين علي

في عمق الإنسان المتكامل، تتداخل الأبعاد الروحية والجسدية بشكل لا يمكن فصله. فيبدو أن اللذة ليست مجرد تجربة حسية

في عمق الإنسان المتكامل، تتداخل الأبعاد الروحية والجسدية بشكل لا يمكن فصله. فيبدو أن اللذة ليست مجرد تجربة حسية، بل هي رحلة نحو الذات ونحو الله. عندما تُجسد هذه اللذة عبادة، ترتقي لتصبح جزءًا من الطاعة.

تأمل في لحظة ذروة النشوة، حيث يرتفع صوت تكبير الله ليعانق أنفاسك. في تلك اللحظة، يتلاشى الفاصل بين الإرادة الذاتية والعوالم الروحية، وتصبح الصلاة تعبيرًا عن اندماج كلي مع الكون، ومع ذروة اللذة التي ترسم لك طريق الوصال.
وحين نتحدث عن اللذة الحسية، نغوص في عوالم نفسية وروحية معقدة. اللذة ليست مجرد إحساس عابر؛ فهي بوابة نتاج تجارب الحياة ورغباتها. وفي هذه اللحظة العابرة، قد نغفل أن اللذة الحقيقية لا تُختزن فقط في التجربة نفسها، بل تمتد إلى ما بعدها.
فإذا أردت أن تعرف طبيعة لذتك، عليك أن تتأمل في نفسك بعد انتهاء اللحظة المفرحة. ماذا تجد في أعماقك؟ هل لديك شعور بالاكتمال والقرب من شريكك، أم أن التجربة كانت لأجل اللحظة فقط، فتنتج انفصالا بينكما إذ تكون بمثابة كجسر وهمي؟ هذا التقدير يفتح لنا أبواب التجرد من الأنانية، ويقودنا إلى إدراك الجوانب الأعمق للعلاقة.
ثم، هل تجد نفسك أقرب إلى ذاتك الحقيقية؟ بعد انقضاء اللذة، هل تتبادر إلى ذهنك تساؤلات وجودية، أم تُسلم نفسك لتفاهات الحياة اليومية؟ ولعل تَقربك من نفسك يتطلب الوعي والتفاعل مع أفكارك ومشاعرك. فإن رحلة الوعي هذه تقودك بلا شك إلى استبطان أعمق لحياتك.
أما القرب من الله، فهو الغاية التي يتوق إليها الكثيرون. فبعد اللذة، كيف تتفاعل مع ما قدمته لك هذه اللحظة؟ هل تجلب لك سكينة وراحة، أم تكون مجرد استنزاف روحاني؟ ولا شك أن القرب من الله يأتي من الإدراك بأننا جزء من كون أكبر، متصلين بجذور تتجاوز حدودنا الفردية.
لذا، بعد انتهاء اللذة، اسأل نفسك: هل تعززت الروابط بيني وبين من أحب؟ وهل تعمقت معرفتي بنفسي؟ وهل تيسرت لي فرصة التفكر في خالق الكون؟ تلك الأسئلة ليست فقط تعبيراً عن الشغف، بل هي دعوة للتأمل والفهم.
فإذا كنت تجد نفسك بعدها مفعمًا بحياة جديدة، فأنت في طريق النضوج الروحي. أما إذا شعرت بالعطش الروحي، فهذا مؤشر على أن اللذة كانت مجرد لحظة عابرة، لا توفر لك سبل النمو.
تذكر أن اللذة التي لا تعزز تطورك الروحي هي لذة ضائعة. قد تكون بمثابة رشوة للانتظار، ولكنها تعود لتسلبك من السلام الداخلي. إذا لم تكن هذه اللحظات تتجه نحو التواصل الروحي، فإنها لن تكون سوى بداية سلسلة من الانجذابات التي ستقودك إلى المزيد من الفراغ.
فلنتفحص كيف نعيش لذاتنا، وكيف نعيش مع الآخرين. اللذة يمكن أن تكون وسيلة لتجدد حياتك، لتقربك من الحب الإلهي. إذا كانت تلك اللحظات تعزز علاقتك بنفسك وبالعالم، فهي في النهاية دعوة لفهم عمق الإنسان المتكامل.
إذًا، كل تجربة، كل لذة، كل عبادة، تأخذك إلى تلك المساحة المقدسة حيث يتواجد الله. فكن واعيًا، واستكشف ذاتك، واحترم ما يصنع منك إنسانًا متكاملًا.

الهيئة العامة للثقافة والفنون والآثار،،،، أ. همام حسين علي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى